IMLebanon

من التشكيلة الزرقاء إلى الديمان الماروني..إسقاط ميثاقي لطموحات باسيل بدءاً من الممر الرئاسي!

 

 

 

يمكن وصف خطوة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الاربعاء الماضي، المتمثلة بتقديم تشكيلة لحكومة جديدة، مؤلفة من 24 وزيراً مع تعديلات طفيفة، تطال بعض الوزراء في وزارات بالغة الأهمية في مشروع «الإنقاذ» الذي يسعى إليه، يمكن وصفها بالحدث السياسي، الذي احتفظ، وسيحتفظ بخصوصياته لوقت غير قصير، مسدداً ضربة قوية في ملعب التيار الوطني الحر، ممثلاً ليس فقط في الموقع الممتاز: رئاسة الجمهورية، بل ايضاً لزعامة هذا التيار، عبر استهداف مباشر لطموحات النائب جبران باسيل.

 

عبَّرت خطوة ميقاتي، ليس فقط عن أزمة ثقة تعصف بين الرجلين، بل عن مسار جديد في تعامل صاحب نظرية «تدوير الزوايا»، بمعنى تقديم التنازلات حيث يلزم، لضمان الدور او المهمة التي أتى من أجلها.

لعل ما يميز هذا المسار، توجه واضح عند الشخصية الشمالية البارزة، الموصوفة بالطبع الهادئ والمرونة الزائدة عن الحد، يقضي بالمواجهة مع باسيل. المسألة هنا، لا تتصل بنزال من النوع الميثاقي (فحقوق المسيحيين محفوظة مناصفة بالحد الأدنى) أو وحدة المعايير، كما يزعم رئيس التيار، أو القفز فوق الدستور، فميقاتي، يمارس صلاحياته، وفقاً لدستور الطائف، لا أكثر ولا أقل.. المسألة ذات صلة بموقع كلاهما في العملية السياسية، لجهة التأثير، في المرحلة الانتقالية وما بعدها. فباسيل الطامح إلى زعامة مسيحية، يصفها البعض بأنها من نوع الوراثة السياسية، لمؤسس التيار الرئيس الحالي للجمهورية العماد ميشال عون، ولكن تندرج في أنها أبعد من وراثة، هي محاولة لبناء «مجد شخصي» للشاب الصاعد، الآتي من الشمال الماروني إلى مركز الحياة السياسية والعامة في الجمهورية بيروت، بهدف رسم دور للمسيحيين، يضاهي، أو يتفوق على ادوار، كانت لكل من كميل شمعون (مؤسس حزب الوطنيين الأحرار ورئيس الجمهورية إبان ثورة 1958 التي غلب عليها الانتماء إلى المحور العربي المناهض للغرب بزعامة جمال عبد الناصر) وبشير الجميل (الكتائبي، ومؤسس ميليشيا القوات اللبنانية في العام 1975، أي إبان الحرب الاهلية او في بداياتها) وغيرهما من الشخصيات الطامحة إلى قيادة المسيحيين إلى ادوار، أدت مع الرئيسين الراحلين إلى اضعاف شوكة المسيحيين، والحد من دورهما في أحادية إدارة البلد «الميثاقي» لبنان.

السؤال: هل شكلت خطوة ميقاتي ضربة سياسية مبكرة لهذا الدور الذي يتطلع اليه باسيل؟

من الصعب اعطاء اجابة قاطعة او بعيدة، جلّ ما يمكن قوله، إنها ضربة بهذا الاتجاه. ومن الشواهد التي تدعم هذا الاستنتاج ان الرئيس المكلف، لم يكتفِ بما اقدم عليه، بل هو غير آبه لملاحظات هذا أو ذاك، وماضٍ في قراره التمسك بالاعتبارات التي أملت عليه صورة التأليف التي رسا عليها تفكيره.

هذا ما يفهم، على الأقل، من كلامه في الديمان، التي قصدها السبت الماضي للقاء الكاردينال الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وتقديم شروحات إليه، حول مسار التأليف، مستفيداً من دعوات الراعي نفسه إلى الاسراع بتأليف الحكومة الوطنية، وعدم الخوض في سجالات ومتاهات وحصص ومكاسب.

ما دار تماماً بين الرجلين، المكلف بتأليف الحكومة، والمرجعية الدينية الأولى للموارنة، خاصة ولسائر المسيحيين عامة، على وجه الدقة، يبقى لهما ان يكشفا مضامينه، وليس عناوينه المعروفة، ومن بينها الشكوى التي رفعها، أو مضبطة الاتهام التي حملها إلى الصرح البطريركي الصيفي، ليس حول العلاقة، المتوترة التي تسوء مع نائب البترون، بل ايضاً حول المعارضة الشرسة التي أبداها رئيس تكتل لبنان القوي بوجه ميقاتي الأول (أي لدى تأليف حكومة معاً للانقاذ) والتي يصرّف اعمالها حالياً، بل بوجه ميقاتي الثاني ايضاً، منذ ما بعد اجراء الانتخابات النيابية، إن لجهة عدم التسمية، أو لجهة المفاوضات الطويلة التي اجراها باسيل وتياره مع النواب الجدد او ما يطلق عليهم في محافل معروفة «التغييريين» من باب صلة الرحم القديمة، لجهة ان تكتله كان يطلق عليه في وقت من الاوقات تيار «الاصلاح والتغيير» او تكتل الاصلاح والتغيير عندما كان يرأسه عون عندما كان نائباً، ويترأس اجتماعاته في مقر اقامته في الرابية، المنطقة السكنية النخبوية، على تخوم الخط الساحلي الشمالي شرقاً. هذه المفاوضات التي كانت تهدف إلى الاتيان بشخصية تسمى بالأكثرية، ويكلفها رئيس الجمهورية، المتماهي تماماً مع مطالب تيار باسيل، وتؤلف حكومة اصلاحية، ولو اقتضى الامر صداماً لوقت مع «الثنائي الشيعي»، ولا بأس مع العنصر الاكثر تأثيراً حليف باسيل (المؤكد في الماضي وغير الثابت في المستقبل) حزب الله، الملاحق بالتحريض عليه، في محافل شتى، بمناسبة او بغير مناسبة.

يفهم من تصريحات ميقاتي بعد لقاء «سيد الديمان» انه ضاق ذرعاً من ممارسات باسيل، من فحص الوزراء من السنة، أيام تأليف الحكومة المستقيلة، إلى تسمية بعضهم، والقول بأنه يتحكم بالثلث المعطل بمد اليد إلى التمثيل السني، عبر تسمية وزير الاقتصاد الحالي في حكومة تصريف الاعمال امين سلام، وهو بالتالي (أي ميقاتي) لن يمضي إلى ابرام صفقة مع باسيل، جلّ ما بإمكانه فعله، القبول من رئيس الجمهورية تغيير اسماء او شطب اسماء او اضافة اسماء.

ليس بالنقاط فقط، بل بالضربة القاضية، اطاحت تشكيلة ميقاتي المكتوبة بالحبر الأزرق «السري» والمدعومة من الجانب الفرنسي والأميركي، ومن ثنائي امل – حزب الله، وبدعم عربي ايضاً، ومن الشرعية الدرزية، «بالممر الرئاسي» لباسيل، الذي بدأ بحفره منذ سنتين على الاقل، سواء في بحر لبنان او بر الشام، او اعالي جبال صنين.

في الطريق إلى بعبدا، يقترب باسيل من خسارة طموحه الرئاسي، وحتى تأثيره في ايصال «رجل بعبدا» الجديد بعد 31 (ت1) 2022، في غمرة مخاض بالغ الصعوبة من ضفاف المتوسط إلى المحيطين الهندي والهادئ.