IMLebanon

بين تمنُّع باسيل وحشد بكركي.. عن أي رئاسة يبحث المسيحيون أم على انقلاب فعلي على الطائف!  

 

 

من يستمع إلى ما يدلي به رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، بوصفه مرشحاً طبيعياً لرئاسة الجمهورية، لأسباب منها أنه ماروني (وبحكم العرف المعمول به فرئاسة الجمهورية لشخصية مارونية)، ومنها أنه رئيس لما يسميه هو أكبر كتلة نيابية في المجلس النيابي الجديد، المنتخب على أساس القيد الطائفي، وفقاً للقانون النسبي، وبعد أحداث 17 (ت1) 2019، التي عصفت بالبلاد والعباد، وقادت إلى اكبر ازمة واضخمها ليس في تاريخ لبنان ما بعد الطائف، بل في تاريخ لبنان الحديث، وثالثاً لأنه يعمل في الحقل السياسي، ولاعتبارات أخرى. من يستمع إليه يتحدث عن الاستحقاق يأخذه العجب من الانفصام في شخصية الرجل، وتحوله عن قصد أو غير قصد إلى عقبة في وجه أي مشروع للانتقال بالبلد من حال إلى حال. فهو من جهة يشترط عبر محطة «المنار» ليل الجمعة الماضية (23 تموز) ألا يسجل خطوة إلى الوراء لجهة الرئيس الماروني، الذي يمثل او القوي في طائفته، على الرغم من مرارة تجربة الرئيس ميشال عون الرئاسية، سواء في ما خص شخصه، إذ يشكو، كسواه من الدائرين في فلك التيار الوطني الحر الذي أسسه، من أنه لم يتمكن من فعل شيء كان يسعى إلى تغييره، فهو يقر بالفشل، ويكابر بأنه الحل (وفاعل يكابر هنا التيار الوطني الحر).

 

يعلن باسيل أنه لتاريخه ليس مرشحاً إلى الرئاسة أو راغباً فيها، لكنه يعمل جاهداً لاستبعاد أسماء مثل كبار الموظفين، الذين ينتمون إلى الطائفة المارونية، من امثال حاكم مصرف لبنان، الذي يلاحق على طريقة «الغستابو»، ليس بوصفه رئيساً للسلطة النقدية في البلد، بل بوصفه مجرماً، ومختلساً، ومبيضاً للأموال، وملاحق دولياً، كل ذلك من دون الاستناد إلى دليل قضائي واحد، كحكم او ادانة او ما شابه، وكذلك رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، الذي لم يشر سلباً أو إيجاباً إليه، لكنه يفتقر إلى الصفة التمثيلية الشعبية والنيابية، والأمر نفسه، يقال عن قائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي يُطرح اسمه كمرشح قوي، ومحتمل بقوة للرئاسة، سواء في اوساط نيابية لديها قدرة تمثيلية او وسط ترشيح اقليمي وربما عربي ودولي، نظراً لشخصه الذي لا يتعرض إلى حملات او انتقادات شخصية، أو سمعته في قيادة الجيش واحترامه للنظام العام، والحفاظ عليه، فضلاً عن الإعلان مراراً وتكراراً خضوعه إلى السلطة السياسية، على الرغم من الاوضاع البالغة السوء، حياتياً ومعيشياً، والتي يتعرض لها ضباط وجنود الجيش، كما مثل المواطنين في كل لبنان.

يبرر التيار الوطني الحر الذي يعلنها حرباً لا هوادة فيها ضد «القوات اللبنانية» ورئيسها وكتلتها الشعبية، عدم حماسه الشخصي للرئاسة، كما يظهر هو، وليس الحقيقي كما يعتقد كثيرون من أقربين وأبعدين، بأن البنية السياسية للنظام القائم، الطائفي والمفكك، وغير القادر على إنتاج حلول هو العلة، ومن هناك يتعين أن تبدأ المعالجة لإحداث إصلاحات أساسية وجوهرية، تسمح بممارسة الحكم.

ولم يغفل باسيل، بعد ساعات قليلة على إعلان رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية عزمه على خوض السباق إلى قصر بعبدا، من إعلان رفضه لدعمه في انتخابات الرئاسة، عاقداً مماثلة مع موقفه من انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي، سواء في الدورة الحالية أو الماضية.

على أن الأدهى في الموقف، ليس فقط إظهار باسيل أنه لا ينتمي إلى الطبقة أو المنظومة السياسية الحاكمة، بل حثه على عدم التأخر عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولو بطريقة مبكرة، في الجلسات الأولى التي حددها رئيس المجلس مطالع أيلول، مع بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس، قبل شهرين على الأقل من انتهاء ولايته، لقطع الطريق على أن تتولى حكومة الرئيس المكلف، حتى ولو لم يؤلف حكومة، صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة، ريثما يتم انتخاب رئيس للبلاد، كما ينص الدستور.

المسألة لا تتعلق بإقصاء ميقاتي عن الحكم وحسب، والمتهم، وفقاً للتيار الوطني الحر بأنه لا يرغب بتأليف حكومة، وهو يسعى لكسر رئيس الجمهورية، ولو في نهاية عهده، بل بالسؤال المشروع: ماذا يريد باسيل للبلد عشية الاستحقاق الرئاسي؟

إذا كان يريد فعلاً رئيساً للجمهورية، فمن هو مرشحه؟ وإذا كان صادقاً في ما يقول، فهو فعلاً لا يريد رئيساً للجمهورية، إذاً ماذا يريد؟

أسئلة مشروعة، وملتبسة في الوقت نفسه على وقع تجاذب غير مبسوق على الساحة المسيحية، مؤداها غير المعلن: آن الأوان للانقضاض على اتفاق الطائف، والدستور الذي انبثق عنه، والذي أعاد التمثيل المسيحي إلى وضعه المقبول لدى القوى المسيحية، الأشد راديكالية من «القوات اللبنانية» إلى التيار الوطني الحر فحزب الكتائب، باستثناء تيار المردة الذي حافظ على حد أدنى من الارتباط بتاريخه السياسي من ايام الرئيس الجد سليمان فرنجية.

ومن الثابت ان ما جرى في الديمان، من زخم شعبي مسيحي، رفدته «القوات» والكتائب والقوى اليمينية المسيحية، باستثناء التيار الوطني الحر، يدل على أن لا تسوية واضحة في الأفق على رئيس للجمهورية، يقبل به فريق بكركي، مقابل الفريق المسيحي الآخر، المتحالف مع «حزب الله»، بمساره المحلي والاقليمي والدولي.

 

تكاد تتساوى احتمالات انتخاب رئيس مع احتمالات الفراغ، الذي من الممكن ان ينتظر انفلاتاً يفتح الباب على إعادة تكوين وقائع السلطة السياسية، على المستوى الرسمي والدستوري، عبر مؤتمر «سان كلو» جديد او ما شاكل.

ليس من باب «كأن شيئاً لم يكن» ما نسب إلى الكاردينال الماروني مار بشارة بطرس الراعي من ان «ثورة مسيحية» على الطريق، إبان المشادة المنفية مع اللواء عباس ابراهيم، الذي خاطبه البطريرك بصفته الشيعية، وليس بصفته الرسمية كمدير للأمن العام.

يختلف المسيحيون على الرئيس العتيد، مثل كل مرة… من دون ان يدري هؤلاء ان الخلاف يجعل من التدخل الاقليمي والدولي العامل الأبرز في حسم الأمر، على أي نحو ممكن للبنان، في زمن تحولات دولية واقليمية تعصف بكل المعادلات القائمة!