مرّة جديدة، يختصر رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل مقاربته الاستحقاق الرئاسي بمعيار واحد: التمثيل الشعبي. من أمام المقرّ البطريركي الصيفي في الديمان، يشدّد على وجوب أن يملك الرئيس «تمثيلاً يتجسّد بكتلة نيابية ووزارية تدعمه وتزيد من قوة صلاحياته وموقعه»، معتبراً «أنّ القرار في هذا الموضوع يجب أن يكون عند «الممثلين الفعليين». وهي بالنتيجة، استنساخ جديد لتجربة ترئيس العماد ميشال عون، بمعنى انتخاب الماروني الأقوى، أو القوي للموقع الأول.
حتى اللحظة، يتعامل رئيس «التيار الوطني الحرّ» بكثير من العموميات مع الاستحقاق الرئاسي، ولو أنّه سارع إلى قطع الطريق على النتائج المنتظرة من صناديق الاقتراع، معتبراً أنّ «الانتخابات الرئاسية لن تؤدّي إلى التغيير المطلوب، كما حصل في الانتخابات النيابية، لكن يجب أن تحصل، وهو استحقاق واجب ويجب أن يتمّ في موعده».
في «التقريش» الأوليّ لكلام باسيل، يتبيّن أنّ ثمة مرشحَين لا ثالث لهما، يؤهلهما معيار التمثيل الذي يرفعه «التيار الوطني الحرّ»: جبران باسيل وسمير جعجع. الأكيد أنّ الأول لن ينتخب الثاني، كما أنّ الأول مشطوب من اللائحة الذهبية لكونه مدرجاً على اللائحة الأميركية السوداء، وهو بالأساس استبعد اسمه من السباق الرئاسي «لأنّي مش محمّس ومش مقتنع لسببين: الأول ما شايف البلد ولا شايف حالي بـmood أعمل معركة تعطيل نصاب وتأمين أصوات لفوزي وحشر حلفائي. الموضوع لا يتعلّق بإذا عندي حظوظ بالفوز أو لا، لأن كلّ مرشّح يصنع حظوظه. والسبب الثاني أنّ ميشال عون وما خلّوه، أنا أكيد ما رح يخلّوني إشتغل أيضاً. وحابب فعلاً أعرف مين يلّي رح يخلّوه يشتغل».
وهذا ما يقود إلى استنتاج بأنّ المؤهلين لعبور «الغربال البرتقالي»، لن يتمكّنا من الوقوف على الحلبة الرئاسية، كلّ لاعتبارات تخصّه. والاثنان بالنتيجة، خارج المنافسة. إذاً كيف يمكن ترجمة هذا الموقف؟
وفق أحد أعضاء «تكتل لبنان القوي» فإنّ المقصود هو تعميم تجربة انتخاب ميشال عون، الماروني القوي أو الأقوى لرئاسة الجمهورية والحؤول دون جعلها حالة استثنائية، «زمطت» لمرة واحدة فقط لا غير، لا بل يجب أن تكون قاعدة ذهبية في الاستحقاق الرئاسي. وإذا لم يكن رئيس «التيار الوطني الحر» هو المرشح الأساسي، فلا بدّ أن يكون «التكتل» صاحب الكلمة الفصل في تسمية هذا المرشح ليكون داعماً للعهد وشريكاً معه.
يعني فعلياً، يدفع باسيل باتجاه فرض نفسه معبراً إلزامياً للاستحقاق الرئاسي طالما أنّه لن يكون المرشح الأبرز من خلال استخدام سلاح الميثاقية المسيحية كشرط جوهري يفترض بالرئيس العتيد أن يتمتع به، بالمباشر أو بالتجيير، من خلال شراكته مع فريق صاحب ثقل تمثيلي. وقد يكون مردّ ذلك إلى خشيته من تجاوزه في الأشواط الأخيرة من الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً إذا لم يتمكّن «حزب الله» من تطريز التفاهم بين باسيل ومن سينتقل إلى قصر بعبدا خلفاً للرئيس عون، وإذا نجح في ضمان أغلبية نيابية في جيبه. وهو السلاح ذاته الذي سيستخدمه جعجع في المعركة الرئاسية للتصويب على كل مرشح لا يخرج من تحت عباءة معراب وتزكيتها.
وعليه، يُرجّح أن تكون الميثاقية المسيحية الورقة الأقوى التي سيلجأ إليها الموارنة في «معركتهم الكبرى» خلال الأيام المقبلة، خصوصاً أنّ ترشيح سليمان فرنجية، وهو الأكثر جدية مقارنة ببقية الترشيحات، لم ينطلق من عقر دار قوى الثامن من آذار، لا بل يتصرّف «حزب الله» بكثير من الهدوء إزاء ترشيح حليفه الزغرتاوي الذي يفضّل تقديم ترشيحه بقالب تفاهمي وليس عدائياً أو من باب المواجهة. لا بل إنّ القبول الذي يلاقيه فرنجية لدى قدامى تيار «المستقبل»، وعدم الممانعة من جانب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، يضفيان على ترشيحه بعداً وطنياً يتجاوز حدود طائفته… بخلاف ترشيح ميشال عون الذي انطلق من حضوره المسيحي ليحاور بقية القوى السياسية على أساس أنه أقوى الموارنة. ولهذا يحاول هؤلاء أن يعيدوه إلى المربّع الأول: الطائفة.