بين نبيه بري وجبران باسيل، سيجد الامين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله نفسه مضطراً للاختيار، والاختيار هنا يعني الانتقال الاجباري تحت ضغط صراع الحليفين، من خانة التفرج وكسب الوقت والهروب من اتخاذ موقف، الى الاضطرار لحسم هذا الصراع على الأقل بما يخص تشكيل الحكومة التي كشفت كلمة جبران باسيل الاخيرة أنها باتت عنواناً لاشتباك كبير من الآن والى نهاية ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأول.
باختصار، لن يستطيع نصرالله البقاء في مقعد المتفرجين على «الماتش» تحت عنوان أنه مع «اللعب الحلو» بل سيكون مجبراً على الحسم، وهذا ما أراد باسيل تحقيقه من خلال ما اعلنه في مؤتمره الصحافي، الذي توجه فيه حصراً الى نصرالله، باعتباره الحكم في الملعب، طالباً منه ان يعلن موقفاً واضحاً من الصراع، وذلك تفادياً للوصول الى الفوضى الدستورية التي سيصنعها بنفسه، اذا ما تعذر تشكيل حكومة بشروطه.
في قراءة لما قاله باسيل يمكن استخلاص الآتي:
أولاً: ينطلق باسيل من حقيقة ان صراعه مع بري وميقاتي على تشكيل الحكومة، قد وصل الى الحسم الذي لا يؤمنه الا «حزب الله». فبري وميقاتي متفقان على ما يبدو على عدم تشكيل حكومة جديدة، يكون فيها لباسيل ثلث معطل، أو على الأقل يكون فيها كل وزير ثلثاً معطلاً، في تكرار لتجربة حكومة الرئيس تمام سلام. أما باسيل فمصلحته بتشكيل حكومة جديدة يستطيع فيها من خلال حصة وازنة، ان يقارع الرئيس نجيب ميقاتي وجهاً لوجه في مجلس الوزراء، حكومة فعلية تمارس السلطة التنفيذية كاملة ويمتلك فيها حق الفيتو، وهو الامر الذي تنبه اليه بري وميقاتي مسبقاً فاتفقا على منع تشكيل حكومة جديدة في عهد ميشال عون، وترك هذا العهد وصهره يذهبان بعد 31 تشرين الى مرحلة جديدة متداعية.
ثانياً: ينطلق باسيل من حقيقة أن «حزب الله» الذي يتفرج على المباراة بمنطق الحياد، هو الوحيد القادر على حسم تشكيل الحكومة قبل 31 تشرين الأول، ولهذا فإن باسيل تعمد أن يوجه سهامه شكلاً لبري، فيما رسالته الفعلية كانت لنصرالله، ومفادها «انك إذا وافقت على تعطيل بري تشكيل الحكومة قبل 31 تشرين، فإننا قادرون على خلق فوضى دستورية ستنفجر بوجه «حزب الله» بعد 31 تشرين، وبالتالي المطلوب منك التدخل والتحرك والضغط على بري وميقاتي لتشكيل الحكومة تفادياً للفوضى الدستورية.
ثالثاً: ينطلق باسيل من حقيقة أن لا انتخاب للرئيس قبل 31 تشرين الأول، وأن المعركة الحقيقية هي معركة تشكيل الحكومة، اما معركة الرئاسة فمؤجلة، وهي تنتظر تبلور معطيات عدة داخلية وخارجية، كما يعتبر أن خسارته معركة تشكيل الحكومة ستكون بداية لخسارة اي تأثير له في معركة الرئاسة، لا سيما وأن لا حلفاء لديه الا «حزب الله»، فيما جميع القوى الأخرى تريد ان تستفيق بسعادة في صباح 1 تشرين الثاني على مشهد خروج عون من قصر بعبدا، وليست «القوات اللبنانية» او الكتائب او «التغييريون» او الحزب التقدمي الاشتراكي أو «المستقلون» بعيدين عن هذا المناخ.
لهذه الاسباب ولغيرها لا يمكن تصنيف كلام باسيل التحذيري، والذي بشر بالفوضى الدستورية الا رسالة استباقية لـ»حزب الله»، الذي يراقب الصراع بين حلفائه بصمت، فهل ستكون لرسالة باسيل الأثر المطلوب لتسريع تشكيل حكومة جديدة، ولمن سينحاز الحزب في هذه المواجهة التي يريدها بري بداية لنهاية فعلية لعهد عون وصهره، فيما يتمسك باسيل بورقة القوة الوحيدة المتبقية لديه، ويستثمرها، للإبقاء على استحواذه أوراق السلطة؟