الكلّ يعلم أنّ جلسة اليوم هي افتتاحيّة فقط لمواعيد جلسات تالية وأنّنا لا نزال في مرحلة لا رئيس ولا من يرأسون ولا انتخاب ولا من ينتخبون ولا اتفاق ولا من يتّفقون، وأنّ تكرار لعبة التّفاؤل باقتراب تشكيل حكومة ثمّ تدّخل جبران باسيل لتقليب أجواء التّشاؤم على اللبنانيّين إمعاناً في استغلال الوقت اللبناني وتضييعه وإشعال معارك دونكيشوتيّة تمهيداً لتحقيق مكاسب يفرضها على الحكومات المتأرجحة فلا يتوقّف التّعطيل إلّا بعد النّزول عند رغباته التوزيريّة التي تضمن له التحكّم بالحكومة أملاً في استواء طبخة البحص في وصوله إلى قصر بعبدا وإمّا فليبقَ عمّه في قصر بعبدا ما دام الصّهر المدلّل قادراً على إقناع عمّه بذلك.
«الفراغ ملّيق»، أكثر مشن يعرف طعم هذا الوصف الذي استخدمه بالأمس جبران باسيل في مؤتمره الصحافي لابتزاز رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي هو جبران باسيل نفسه، أساساً هو دخل عالم التوزير من باب تعطيل تشكيل حكومة 9 أشهر تحت عنوان «لعيون صهر الجنرال ما يكون في حكومة»، وهكذا بالتتابع الرّجل عوّده عمّه الرّئيس على التّعطيل لأنّ تجربة الجنرال عون منذ دخوله الحياة السياسيّة لم يمارس فيها سوى حركتيْن اثنتيْن الهروب إلى الأمام أو اللجوء إلى التّعطيل لذا هو يعرف أنّه «أكلة ملّيقة» ـ على قولة أهل حلب ـ ومن أكثر من تيّاره قادر على ممارستها منذ العام 2005 وحتّى اليوم!!
إذن سيفتتح رسمياً لبنان اليوم أوّل جلسات الاستحقاق الرئاسي، مع تعذّر وتعثّر أن نكون فعلاً أمام استحقاق انتخاب رئيس للجمهوريّة في إطار انتخاب ديمقراطي فحتى المعارضين والتغيّيرين «مش متّفقين» على اسم «مرشّح» يخوضون به المعركة، كذلك جماعة 8 آذار والذّين هذه المرّة ضامنين أن يتحالف مع تصويتهم وليد جنبلاط بتركة نوابه لولده تيمور، ويعرف اللبنانيّون أنّه يُعاد عليهم سيناريو العام 2008 من دون 7 أيّار حتّى الآن وأنّ الفراغ هو «المرشّح» الأوّل و»هو أو لا أحد»!
اليوم لا بدّ من التّذكير لأنّ البلاد في واحدة من أخطر مفاصلها خصوصاً والعالم كلّه منشغل عن لبنان بحرب كبرى تتهدّده على حافّة التّهديد باستخدام السّلاح النّووي التكتي في أوكرانيا ـ والذي يظنّ البعض ونحن منهم أنّ تفجير مرفأ بيروت هو من هذه التفجيرات التكتيّة التي تبرّأ منها الجميع كونها جريمة حرب ـ والشّتاء البارد الذي يهدّد أوروبا من دون غاز روسي، فعندما كان تشكيل الحكومة بعد تفجير 4 آب العام 2020 مطلبٌ دولي تعهّدت به القيادات اللبنانيّة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن يشكّلوا حكومة خلال خمسة عشر يوماً بعد دمار نصف العاصمة ولا يزال لبنان حتى اليوم يدفع أثمان منع التحقيق بهذا التفجير، يومها وأمام طوفان من الدّماء وتحت وطأة خراب عام استطاع جبران باسيل أن يعطّل لمدّة عام تشكيل الحكومة وأطاح بعدها مع تضافر عوامل خارجيّة بالرّئيس سعد الحريري الذي كانت رئاسته للحكومة مطلب دولي واجهه رفض جبران باسيل ومن خلفه عمّه رئيس الجمهوريّة، لذا لا يتوقعنّ أحد أن يأتي الميقاتي وإن وافقه تأييد دولي بما لم تستطعه الأوائل!
الفراغ آتٍ وهذه المرّة قد يبتلع لبنان، وإن حدث وانتخب بالصّدفة رئيس للبنان كائناً من كان، التّعطيل سيبقى سيّد الموقف، طالما تركيبة البلاد كلّ طائفة ومذهب فيه تريد حصصها بالمفرّق متجاهلين أنّ المصائب في لبنان تأتي بالجملة والمفرّق، لا الانتخاب النيابي ولا الرئاسي ولا تشكيل الحكومة ولا تهيؤات الإصلاح في بلد فاسد حتى العظم كلّها ليست حلاً جذريّاً لأزمات لبنان كلّها مجرّد تأجيل للآتي الأعظم، ومع هذه كلّها لن يسمح جبران باسيل لعمّه رئيس الجمهوريّة بمغادرة قصر بعبدا مهما كانت الأعذار ومهما كان الثّمن!