IMLebanon

بعد الترسيم هل من مقايضات برفع العقوبات؟

 

 

كثرت التحليلات والافتراضات لسيناريوهات ما بعد الترسيم. فالبعض هلّل له والبعض الآخر اعتبره مؤامرة مدروسة، وهناك من اعتبره نصراً مسروقاً من «بطل الترسيم» الحقيقي، وتكرّ السبحة… إلّا انّ الامر المفروغ منه، بغض النظر عن هوية «مهندس الترسيم»، انّ «الصفقة الاتفاق» التي تمّت بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي، في ما يخص ترسيم الحدود البحرية، هي صفقة مربحة للبنان في التوقيت وحتى في المكاسب، خصوصاً انّها كانت برعاية وبمباركة اميركية، ولا شك في أنّها أتت في الوقت المناسب، أي في عزّ العاصفة الاقتصادية، وفي وقت كان لبنان لا يرجو فقط، بل يستجدي خشبة خلاص منعاً من الغرق.

طريف هو المشهد الجديد الذي استفاق عليه اللبنانيون وقادتهم، وطريف مشهد المهنئين المهلّلين لهم من قادة العالم، وعلى الرغم من عدم توقيع الاتفاق النهائي حتى الساعة، فإنّ تقديم التهاني لم يتوقف، والإشادة بإعلاء رتبة لبنان تنهال على الوطن وتبارك بتصنيفه بلداً نفطياً، في وقت ليس ببعيد، كان التأنيب والتهديد يطوقان لبنان قادة ودولة وشعباً من هؤلاء انفسهم… اما اللافت، فكانت التأكيدات والتلميحات من دول عظمى، بقرب الفرج الاقتصادي والكهربائي والمالي والأمني للبنان… وهذا ما ألمحت اليه السفيرة الاميركية دوروثي شيا في لقاءاتها الاخيرة مع المسؤولين اللبنانيين، وكذلك في جولاتها، ومن خلال ما تضمّنه كلامها في بيان التهنئة الذي عبّرت فيه عن املها بمستقبل واعد للبنان، بعد أن وصل اتفاق الترسيم إلى نهاية ايجابية.

 

إذا انتقلنا إلى الجدّية، فالملفت في كلام السفيرة الاميركية كان توجّهها بالشكر بالتسمية فرداً فرداً لكافة المعنيين بنجاح اتفاق الترسيم، حيث بدأت بشكر رئيس الجمهورية «وفريقه»، من دون ان تنسى دور رئيس مجلس النواب نبيه بري ودور نائبه الياس بوصعب ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

 

في المقلب الداخلي، كثرت التساؤلات قبل الاتفاق على الترسيم وخلاله وحتى بعد إنجازه، حول مهندسي تفاصيله، وهل كان للوزير جبران باسيل يد في وضع لمساته عليه، وإذا ما كان فعلاً عمل خلال الايام الاخيرة على التدقيق في النسخة الورقية التي قيل إنّها تألّفت من صفحات عشر باللغة الانكليزية؟ وتساءل متابعون عمّا إذا كانت شيا قد تقصّدت شكر باسيل عندما سمّت فريق الرئيس في كلمتها. إذ انّ الجميع يعلم من هو فريق «الرئيس»؟!

 

في السياق، علمت «الجمهورية» انّ باسيل كان له دور اساسي في مواكبة ملف الترسيم منذ بداياته مع الوسيط عاموس هوكشتاين، وكان يراجع كل النسخ والتعديلات التي أُجريت عليه، وليس فقط النسخة النهائية، إن لجهة إرسال مقترحاته او لجهة التدقيق في مفردات المسودات التي تمّ تعديلها، وصولًا إلى المسودة الاخيرة، قبل ان يُعاد ارسالها بواسطة هوكشتاين الى الجانب الاسرائيلي.

 

وعلمت «الجمهورية» ايضاً، انّ باسيل هو من وضع غالبية الملاحظات على النسخة الورقية النهائية، إن لم نقل كلها، بمعرفة الجانبين اللبناني والاميركي ومتابعتهما. بمعنى آخر، انّ الادارة الاميركية متمثلة بالسفيرة شيا وبالوسيط الاميركي هوكشتاين، كانا على دراية وتنسيق تامين مع باسيل عند وضعه تلك الملاحظات.

 

اليوم هناك من يتساءل: هل كانت تلك التطورات على الساحتين الداخلية والخارجية التي يسمّيها البعض تنازلات والبعض الآخر إنجازات، قد تفرض مقايضات؟ وهل ستنعكس ايجاباً على وضع بعض القيادات اللبنانية التي تمّ فرض عقوبات خارجية عليها؟ ومن بين هؤلاء الوزير علي حسن خليل او باسيل، خصوصاً الذي فُرضت عليه عقوبات شديدة من الصعب إزالتها الّا بقرار رئاسي او ربما من خلال تسويات او تبدّلات سياسية وفق «الرؤية الباسيلية» لملف العقوبات.

 

ويتهامس البعض عن احتمال ان يكون الترسيم مدخلاً لسيناريو إحدى تلك التسويات، فيحظى «المعَاقَبون» بضمانات او وعود بإزالة العقوبات او بتخفيفها، خصوصاً اذا ما صحّت المعلومات التي تكشف عن الدور الذي لعبه باسيل في وضع الملاحظات وهندسة النسخة النهائية لملف الترسيم، ومن الممكن ان نشهد مقابل ذلك، تخفيف الولايات المتحدة من تشدّدها بالنسبة الى العقوبات المفروضة على الرجل.

 

واشنطن ستخفف العقوبات ولن ترفعها

صحيح انّ السفيرة الاميركية اشارت في آخر مقابلة لها انّ باسيل لم يطلب إزالة العقوبات عليه مقابل آدائه في ملف الترسيم، موضحة انّ الادارة الاميركية لا تتعامل ابداً بهذا المنطق بالنسبة إلى الملف، وهذا ايضاً ما اوضحته مصادر حقوقية اميركية لـ»الجمهورية»، مشيرة إلى انّ ازالة العقوبات عن الشخصيات، ولا سيما منها تلك المدرجة تحت قانون «ماغنيتسكي واوفاك» ليست بالأمر السهل إذا ما سلك الملف المسار القضائي الطويل في المحاكم الاميركية. وبغير ذلك فإنّ رفع تلك العقوبات يتطلب امراً رئاسياً، علماً أنّه حين تمّ وضعها اتُخذ القرار بتوجيهات رئاسية، ووحده الرئيس الاميركي يملك الصلاحية المطلقة لإزالتها او بتخفيف التشدّد فيها اذا ما ارتأى ذلك. الّا انّ عدم طلب باسيل رفع العقوبات عنه لا يعني عدم رغبته برفعها! ومن المؤكّد انّ الإدارة الأميركية تعلم اهمية رفعها بالنسبة اليه، وعليه هي قد تستند إلى آدائه لتتخذ قراراتها المستقبلية.

 

باسيل سيستفيد داخلياً

في المقابل، ترى مصادر متابعة لملف الترسيم، انّ باسيل سيستفيد حتماً من ايجابيات الترسيم داخلياً أيضاً، وبالاخص في شؤون الطاقة وتسهيل إمرار الفيول الايراني وغض النظر الاميركي (لمرة واحدة) عن العقوبات بالنسبة إلى الغاز الذي سيمر عبر سوريا، إذ انّ الولايات المتحدة منحت استثناءً واحداً للاردن لإمرار الغاز، إلّا انّها في المقابل لن ترفع عقوبات «قيصر» عن سوريا.

 

وهذا ما يمكن ايضاً ملاءمته خارجياً بالنسبة إلى العقوبات على باسيل تحديداً. إذ تلفت المصادر الى انّ العقوبات المفروضة عليه تتعلق بالاعتداء على حقوق الإنسان وبالفساد، وقد لا يمكن إزالتها بكاملها، إذ انّ الولايات المتحدة «أطبقت» على باسيل بعدد من العقوبات وعلى ملفات متعّددة، بحيث يصعب ازالتها بكاملها، بمعنى انّ الادارة الأميركية قد تلجأ إلى رفعها الواحدة تلو الاخرى بحسب حجم التسويات السياسية المستقبلية وعددها… وبذلك، ربما تتمّ المقايضة على واحدة تلو الأخرى… وبالتالي قد يتمّ خفض التشدّد في بعض العقوبات، فيُعاد له مثلاً حق السفر إلى الولايات الاميركية المتحدة والجوار، وقد يعاد له ربما حق فتح الحسابات المصرفية او ما شابه من التسهيلات…