ليس معروفاً ما يخبّئ الرئيس ميشال عون ليوم 31 تشرين الأول، إذا لم تولد حكومة جديدة قبل هذا الموعد. ولكن، على الأرجح، هو لن يحقّق أمنيات خصومه بالخروج صفر اليدين من القصر، والعودة «مواطناً عادياً» إلى الرابية.
الذين يعرفون الرئيس عون جيداً يؤكدون أنه لن يسلِّم صلاحيات رئاسة الجمهورية لحكومة تصريف الأعمال، بشكل تلقائي، لمجرد انتهاء ولايته الدستورية. وفي عبارة أخرى، إنّ عون الذي خاض المعارك في وجه خصومه طوال 6 سنوات لن يتيح لعامل الوقت أن يهزمه، أي لن يقبل بخسارة كل أوراقه لمجرد أنّ الروزنامة وصلت إلى يوم 31 تشرين الأول.
ولأن الدستور لم يتطرَّق من قريب أو بعيد إلى التزامن بين الشغور الرئاسي ووضعية تصريف الأعمال الحكومية، فإن أحداً لا يستطيع أن يفرض وجهة نظره في هذا الشأن. وما مِن مرجعية دستورية يمكنها إثبات وجهة نظرها. فالجميع على خطأ والجميع على صواب، الرئيس كما خصومه.
لذلك، رهان خصوم عون على الوقت لتحقيق «هزيمته» ليس في محلّه. فلا الدستور «يُفتي» بتولّي حكومة التصريف صلاحيات الرئاسة، ولا عون متروك سياسياً. وعلى الأرجح، إذا وصل البلد إلى يوم 31 تشرين الأول بلا حكومة ولا رئيس، فستكون هناك أيام صعبة على الجميع… إلى أن يأتي الانفراج من مكان ما.
يقول القريبون من عون: لو كان هناك أي رئيس آخر في الموقع، لكان ممكناً فرض أي وجهة نظر عليه، وتفسير الدستور بطريقة استنسابية بما يخالف صلاحيات الرئاسة. فهذا الرئيس لن يقول «لا» لحكومة التصريف، لأنه سيكون راضخاً لاعتبارات سياسية معينة ومحور سياسي واسع.
ويضم هذا المحور الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي ورئيس «التقدمي» وليد جنبلاط ورئيس «المردة» سليمان فرنجية، ولكن أيضاً يَتضامن معه المعارِضون والمستقلون و»التغييريون» الذين يتقاطعون حول نقطة واحدة: إزاحة عون وإضعاف فريقه السياسي، ثم يختلفون على الباقي.
لكن هذه الجبهة، على رغم اتساعها، تبقى عاجزة عن إضعاف عون وعَزله، ما دام يحظى بتغطية قوية من حليفه «حزب الله». فهذه التغطية وحدها كفيلة بـ»ضمان مستقبل» فريق عون السياسي، أيّاً كانت التقلبات، وحتى إشعار آخر.
بالنسبة إلى «حزب الله»، لا بديل من «التيار الوطني الحرّ» كحليف مسيحي أساسي. وبمعزل عن الرصيد الثابت والمؤكد الذي يتمتع به فرنجية لدى «الحزب»، فإنه لا يلبّي حاجته إلى حليف مسيحي شامل التغطية سياسياً وشعبياً، يستطيع به أن يواجه الخصوم المسيحيين الأقوياء والذين أيضاً يتمتعون بتغطية تمثيلية شاملة، كـ»القوات اللبنانية»، على مدى 6 سنوات.
إذا جاء إلى موقع الرئاسة أي حليف آخر لـ»حزب الله»، من خارج فريق عون، فـ»الحزب» سيضمن أن يكون هذا الموقع حليفه. لكنه لن يضمن التغطية المسيحية الكاملة في الحكم. وفي هذه الحال، سيكون «التيار» حليفاً سياسياً لـ»الحزب»، ولكنه سيكون قادراً على المناورة والتغريد أحياناً في شكل مستقل.
لذلك، ليس في مصلحة «حزب الله» أن يستغني عن عون وفريقه السياسي كحليف مسيحي أساسي. ومقتضيات اللعبة تفرض أن يُبقي باسيل مرشحه الأفضل للرئاسة. وفي هذا الشأن، ثمة دلالات سياسية بارزة تحملها كلمة عون التي أعلن فيها موافقة لبنان على اتفاق ترسيم الحدود.
فمن الواضح أنّ عون الذي نَسّق الخطى مع «الحزب» في ملف الترسيم، نسّق أيضاً عملية الإعلان عن الاتفاق ليقطف ثمارها السياسية في نهاية العهد، ويجير الثمار السياسية إلى رصيد النائب جبران باسيل شخصياً. وضبط ساعة هذا الإعلان على رمزية 13 تشرين، بما تتضمنه من شدّ عصب.
طبعاً، هذا التكريم لعون وباسيل لا يريح الرئيس بري، الذي يعتبر أنه هو صاحب الفضل في وضع اتفاق الإطار لمفاوضات الترسيم. كما لا تريحه استعانة عون برمزية 13 تشرين في هذه الظروف، وهو الذي تقصَّد تجاوز هذه الرمزية عندما اختار هذا اليوم محطة أخرى لـ»بروفا» انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ومن الواضح أن «حزب الله» يتعاطى مع الحليفين بطريقة تتيح لكلّ منهما هامشاً من الشعور بالقوة والانتصار، من دون أن يتمكن أحدهما من الحسم في وجه الآخر. وعلى الأرجح هو لن يسمح بإضعاف أي منهما، لكنه سيبقى ممسكاً بالقرار النهائي في الاتجاهين، فيما حكومة ميقاتي ستبقى «عدَّة الشغل»، ويجري تعديلها وفقاً للحاجة.
ولذلك، سيتمسك «الحزب» بباسيل للرئاسة، بمعزل عما إذا كانت الظروف الخارجية ستسمح بإيصاله أم لا. وهذا ما يجعل عون مطمئناً إلى «مستقبل» فريقه السياسي بعد انتهاء الولاية الرئاسية، كما كان مطمئناً خلالها وقبلها.