ثمّة فرق كبير بين مقاربة حزب الله وحساباته الإقليميّة وبين مقاربة التّيّار الوطنيّ الحرّ وحساباته الدّاخليّة، فالحزب، حسب باسيل نفسه في مقابلته الأخيرة، يقرأ بتمعّن المتّغيّرات الإقليميّة والدّوليّة، ويبني موقفه على تقديره لآفاق المرحلة القادمة ربطًا بالتّحوّلات الجارية.
وبناء عليه طرح السّيّد حسن نصرالله على باسيل السّير بالوزير السّابق سليمان فرنجيّة لرّئاسة الجمهوريّة، وهذا ما يرفضه باسيل، إلى الآن..
أمّا حسابات التّيّار الوطنيّ الحرّ فتتراوح بين الطّموح الشّخصيّ لرئيسه وبين مصير التّيّار بعد انتهاء عهد الرّئيس السّابق ميشال عون والنّدوب العميقة الّتي حملها معه إلى الرّابية بعد تجربة، غير موفّقة على أحسن توصيف.
الثّابت أنّ حزب الله متمسّك بالحلف مع التّيّار لأسباب كثيرة، يعزوها الأكثرون إلى حاجة الحزب ذلك الغطاء المسيحيّ، ويغفلون جانباً أخلاقيًّا يعني الكثير لقيادة الحزب، خصوصاً ما يتعلّق بقناعة ثابتة لديها بأنّ التّيّار حورب وحوصر بسبب ذلك التّحالف..
ولكن، ألم يوفي الحزبُ التّيّارَ حقّه؟
يرى متابعون بأنّ الضّرر الّذي لحق بالحزب من تحالفه مع التّيّار ليس بأقلّ من الضّرر الّذي لحق بالتّيّار، إن لم يكن أكثر.
فالحزب حُمّل مسؤوليّة الفراغ الّذي سبق وصول عون إلى الرّئاسة، وتعطيل تشكيل الحكومات دفاعاً عن مطالب باسيل.
وتحمّل الحزبُ عتب حلفائه المسيحيين من شخصيّات وبيوتات تاريخيّة اعتبرت بأنّ الحزب قدّم مصالح التّيّار على مصالحها باعتباره المنافس الوحيد القادر على مواجهة القوّات اللّبنانيّة.
وتحمّل الحزب أيضاً عتب قوى وأحزاب وطنيّة عابرة للطّوائف دفعت ثمن تعويم التّيّار داخل المناطق المختلطة، فأخذ التّيّار ترشيحات ومقاعد على حساب حزب البعث العربي والحزب القومي في الانتخابات الأخيرة، إضافة إلى التّعيينات داخل الدّولة العميقة، حيث تبنّى اقتراحات باسيل ودعمَه فيها.
وتحمّل الحزبُ أيضاً أخطاء التّيّار في إدارة الأزمات، وفشله في أكثر الوزارات الّتي تولّاها، وأهمّها الكهرباء، فعملت آلة إعلاميّة محترفة على تحميل الحزب مسؤوليّة استئثار التّيّار بالسّلطة، وتمّ زرع فكرة تقاسم الحزب والتّيّار السّياسات الخارجيّة والإدارة الدّاخليّة.
وأخطر ما تمّ تحميله للحزب وقوفه إلى جانب باسيل في معاركه ضدّ رؤساء الحكومات المتعاقبين منذ 2005 إلى اليوم، ورغم بطلان هذا الإدّعاء لحساسيّته الطّائفيّة، إلّا أنّ الآلة الإعلاميّة نفسها نجحت في ضرب صورة الحزب داخل البيئة السّنّيّة، وكذلك الدّرزيّة بسبب الاشتباك الدّائم بين التّيّار والاشتراكيّ، وكانت نتائج الانتخابات النّيابيّة الأخيرة مؤشّراً على ذلك.
لكنّ السّؤال الأهمّ بعد تحقيق «عون» لحلمه الرّئاسيّ بدعم من الحزب، هل سيردّ باسيل الجميل ويقف، في نهاية المطاف إلى جانبه في الاستحقاق الرّئاسيّ القادم؟ وكيف سيتصرّف حزب الله إذا استمرّ باسيل في رفع الفيتو بوجه فرنجيّة؟
عوداً على بدء، حزب الله متمسّك بعلاقته مع باسيل، ولا يرغب بكسره بعد النّكسات الكثيرة الّتي تلقّاها، ويعمل جاهداً على إنضاج ظروف مناسبة لتسوية بينه وبين فرنجيّة تصبّ في مصلحة الجميع، ولكن اللّقاء الأخير الّذي جمع السّيّد نصرالله وباسيل لم يكن مريحاً في المضمون، وزاد باسيل الطّين بلّة في تسريب ما دار بينه وبين السّيّد نصرالله.
قيادة الحزب ممتعضة ممّا صدر عن باسيل شكلاً ومضموناً.
في المضمون لا يحقّ لباسيل الكشف عن نوايا الحزب بتبنّي ترشيح فرنجيّة إلى رئاسة الجمهوريّة، صحيح بأنّ الكلّ يعلم بتفضيل الحزب لفرنجيّة، لكن للحزب اعتباراته في عدم التّصريح بموقفه، منها:
– عدم إحراج فرنجيّة ووضعه في خانة التّصويب باعتباره مرشّح حزب الله.
ad
– عدم استعداد الحزب لتبنّي شخصيّة قد لا تصل إلى الرّئاسة فتُسجّل عليه خسارة «ببلاش».
– احترام رغبة فرنجيّة بعدم زجّ اسمه في معمعة الأسماء المحروقة.
أمّا في الشّكل، فكان مزعجاً جدًّا ما تباهى به باسيل أمام كوادر ومسؤولين من التّيّار، حيث وصلت للحزب، ووكلّ المعنيين، الطّريقة الّتي تحدّث فيها باسيل عن «شجاعته» في قول «لا» للسّيّد، الّذي يرعب «إسرائيل»، ويشارك في إدارة ملفّات أبعد من السّاحة اللّبنانيّة، علماً بأنّ السّيّد نصرالله لم يطلب من باسيل بمعنى الفرض، بل طرح الفكرة للنّقاش بعد مطالعة قدّم فيها رؤيتها للمشهد الإقليميّ والدّوليّ، وهذا ما أعلنه باسيل في مقابلته الثّلاثاء الماضي!
في المعلومات، يراهن حزب الله على عامل الوقت حتّى يقتنع باسيل بأن لا خيار أمامه سوى التّوافق مع فرنجيّة، وأن لا مصلحة له إلّا بالبقاء على تحالفه مع الحزب، وبأنّ الحزب ليس مستعدًّا للتّفريط بخيار فرنجيّة لاعتبارات سياسيّة وأخلاقيّة أيضا بعد موقفه المشرّف عام 2016.
أمّا إذا اعتمد باسيل، مع حزب الله، نفس السّياسة الّتي اعتمدها مع «ميقاتي»، أي اللّعب على حافّة الهاوية، فستأتي تسوية خارجيّة يكون حزب الله مقرّراً داخليًّا فيها بتنسيق وتوافق تامّ مع حركة أمل، ويسقط باسيل وحده في هاوية تقاطع المصالح الكبرى، كما سقط عون قبله بداية تسعينات القرن الماضي!
وحينها، سيبدأ حزب الله مهمّة جديدة: إعادة تعويم باسيل، حفظاً لسنوات من العلاقة المشتركة، بحلوها ومرّها، فالاعتبارات الأخلاقيّة لدى السّيّد نصرالله أسمى من الاعتبارات السّياسيّة!