Site icon IMLebanon

وريث عون “المبدئيّ”

 

زار رئيس «التيار الوطنيّ الحر» جبران باسيل رئيس مجلس النواب نبيه بري سرّاً، ولم يكن بالامكان ارتكاب هذا اللقاء الليلي الّا سراً. اذ لا يجوز بعد هذا الكمّ من الاتهامات والزعيق، أن يسير المدّعي العام سيراً على الأقدام، إلى بيت المتّهم، لاسترضائه، ولاستجداء صفقة رئاسية تكون استكمالاً لصفقات رُتبت سابقاً في الادارة والحكومة وتوابعهما.

 

هذا هو وريث الرئيس ميشال عون. لا يخجل في الصباح من أن يتّهم كلّ آخر بالفساد والإجرام، ولا يرف له جفن في المساء، بأن يشرب نخب «الفاسد» و»المجرم»، طمعاً بأن يعقد معه صفقة مدهنة.

 

هذا هو وريث عون الذي تعلّم من عمه الكثير وبسرعة قياسية. تجاوز الصهر عمه في ترتيب الصفقات على حساب كرامة المؤيّدين والمصدّقين والمهللين. في معركة 15 كانون الثاني 1986، انصاع قائد الجيش يومها لطلب سوري بإخراج ايلي حبيقة المحاصر في الكرنتينا، أملاً في أن يسجّل له نظام حافظ الأسد هذه المكرمة ويترجمها في الرئاسة، وحين سبق اتفاق ريتشارد مورفي- الأسد الأحلام الرئاسية، سارع عون إلى الاتفاق مع سمير جعجع، وبالكاد لم تكن قد جفت همسات التخوين والاتهام بالميليشيوية. أسقط عون مع جعجع جلسة انتخاب سليمان فرنجية الجدّ، وأسقطا اتفاق مورفي- الأسد، ومرشّحه مخايل الضاهر، وأقسم الجنرال في ربع الساعة الأخير من عهد الرئيس أمين الجميل على أن لا يضرب «القوات»، لينكث بقسمه بعد عودته من تونس، بعدما لاح له بريق أمل بالرئاسة، وليشنّ بعدها «حرب التحرير»، وما تلاها من معارك دموية مع «القوات اللبنانية»، استعان فيها بعتاد الجيش السوري وقذائفه.

 

لم يكن الجنرال العائد من باريس أقل «مبدئية» من جنرال المنفى الذهبي. عاد وفي يديه عرضان: واحد لـ»حزب الله» والثاني لقوى 14 آذار، والعرضان عرض واحد: من يجعلني رئيساً أمشي معه. وفاز «الحزب» بالعرض وانقلب عون على تاريخ أراد من بعض البسطاء أن يصدّقوا أنّه يؤمن به.

 

لم يرفّ للجنرال جفن وهو يتقلب بين الصباح والمساء. هذه وصية ثابتة حفظها جبران باسيل ويطبّقها جيداً:

 

«اسمع يا عماه، إحرص وأنت على المنبر تهاجم فساد نبيه بري، و»إجرام» سمير جعجع، و»داعشية» الحريرية السياسية، ووليد جنبلاط «سارق» أجراس كنائس الجبل، على أن توصل رسالة لجميع هؤلاء بأنك الوحيد القادر على اسقاط التهم عنهم، اذا ما رتّبوا الصفقة المناسبة معك. ناسك سيصدقونك مهما «تشقلبت» فلا تأبه، المهم أن تكون الصفقة مربحة، كما فعلت أنا مع سعد الحريري «الداعشي» في التسوية الرئاسية، ومع «المجرم» سمير جعجع في «اتفاق معراب»، وكما فعلت انت حين نظّمت مصالحة دير القمر مع «سارق الأجراس» وليد جنبلاط».

 

«اسمع يا عماه، الغاية تبرر الوسيلة، وأنت تعلّمت هذا جيداً على يديّ، ولذلك تستحق التهنئة بعد لقائك «الفاسد» نبيه بري، ومحاولتك استمالته إلى اتفاق تلغي فيه أي أمل لمن تخاف من وصولهم إلى بعبدا. هذا مسعى يا عماه، يستأهل منك أن تنام في سرير عين التينة فلا عليك. المهم تحقيق الغاية، فطنّش عن الوسيلة».

 

«صحيح يا عماه أنّ «داهية» عين التينة أحالك الى حسن نصرالله، وأفهمك أنّ سيد تفاهم مارمخايل هو مرجعك ومصدر القرار، لكن لا بأس كانت خطوة تكتيكية صحيحة ولو فشلت. ولتعلم في النهاية أنّ كل الدروس والعبر التي اكتسبتها مني، لا بد أنّها ستعطيك النتائج المتوخاة، فهذه أساليب جرّبتها قبلك، واتبعتها كلّ مدارس الانتهازية، وفي كلّ مرّة كان القطاف وافراً، والله ولي التوفيق».