IMLebanon

هل يتحوَّل الاشتباك طائفياً؟

 

في آنٍ معاً، يدخل البلد في مأزق دستوري- سياسي بلا أفق، وفي طبقةٍ أكثر عمقاً في الانهيار النقدي والمالي، على رغم محاولات المرجعيات المالية والنقدية تجميل الصورة. ويخشى كثيرون تنامي الاحتقان الطائفي في المرحلة المقبلة، تحت عناوين عديدة.

يشعر «الثنائي الشيعي» بأنّه يمتلك القدرة وحده على إيصال رئيس للجمهورية إلى بعبدا. لكن مشكلته تكمن في توفير التغطية المسيحية لهذا الرئيس. والعقدة في ما يتعلق باعتماد رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية تكمن هنا تحديداً. فما الذي يمكن أن يفعله حليفه «حزب الله» لإنجاح هذا الخيار؟

يصعب على «الثنائي»، ومعه الداعمون السنّة والدروز، أن يمرِّروا ترشيح فرنجية إذا بقي يلقى معارضة القوى المسيحية كلها، على ضفتي الاصطفاف السياسي: «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» والقوى الأخرى ومعها بكركي.

وهذه تحديداً الورقة التي يتمسك بها النائب جبران باسيل. فترشيحه للرئاسة يوفر على الأقل تغطيةَ إحدى القوتين المسيحيتين الأساسيتين، ولا يمكن التشكيك فيه ميثاقياً. ولهذا يطبّق باسيل مقولة «عرف مكانه فتدلَّل»، بل إنّه «زادها» في الدلال على «حزب الله»، بإعلانه الصريح أنّه لن يدعم فرنجية أياً كانت الظروف.

طبعاً، لا يريد «الحزب» أي زعلٍ بينه وبين حليفه «التيار الوطني الحر»، ولن يعتمد أي خيار رئاسي يزعجه. وفي الوقت عينه، هو لن ينكث بالوعد الذي قطعه لفرنجية قبل 6 سنوات بأن يكون التالي بعد الرئيس ميشال عون.

ولا مخرج من هذا المأزق إلّا بتنازل أحد الحليفين، باسيل وفرنجية، للآخر، فتتوافر التغطية المسيحية للعهد الجديد. وهذا الأمر ممكن، لكن ظروفه لم تتوافر بعد. ولكن، مَن سيتنازل للآخر؟

إذا جرى تفاهم بين باسيل وفرنجية على أن يكون الثاني في موقع الرئاسة، فالتسوية يمكن أن تعيش شهراً أو اثنين أو عاماً أو اثنين، كما عاشت تسوية معراب بعد وصول عون إلى القصر. إذ ليس مضموناً استمرارها 6 سنوات، ولو كان الطرفان حليفين لـ»حزب الله».

وفي أي لحظة، يمكن أن يصبح باسيل مشاكساً للعهد، ويصطف موضوعياً إلى جانب خصومه المسيحيين من قوى 14 آذار، ولو بقي حليفاً لـ»حزب الله». وهذا الأمر سيعرّي عهد فرنجية من غطائه المسيحي، ما يتسبب بمأزق لـ»الحزب»، إذ سترتفع أصوات المرجعيات المسيحية معترضة على انتهاك «الميثاقية الطوائفية».

أما إذا تنازل فرنجيه لباسيل، فسيكون الحدّ المطلوب من التغطية المسيحية سيبقى مضموناً لـ 6 سنوات، كما كان خلال عهد الرئيس ميشال عون، حتى ولو انتقل فرنجية إلى موقع معارض للعهد، وتناغَم تكتياً مع قوى 14 آذار المسيحية.

ويعتقد القريبون من قيادة «التيار» أن لا مشكلة لدى «الحزب» في أي من الخيارين باسيل وفرنجية، حالياً، فكلاهما حليفان. لكن باسيل هو الأقدر على ضمان التغطية الميثاقية المسيحية. وأما العقوبات الأميركية المفروضة عليه فمردها الأساسي هو تموضعه إلى جانب «الحزب».

ومن مصلحة «الحزب» أن يوحي بأنّ باسيل ليس مرشحه الحالي للرئاسة. فذلك يساهم في تسهيل المسعى الإقليمي والدولي الذي يبذله الرجل حالياً من أجل رفع هذه العقوبات عنه.

طبعاً، من مصلحة «الثنائي الشيعي» أن يتجنّب إثارة مشكلة ذات طابع ميثاقي في هذه اللحظة الحسّاسة. ولذلك، فتح «حزب الله» في الأيام الأخيرة، قناة حوار ضيّقة مع بكركي حول الملف الرئاسي.

ويعرف «الحزب» أنّ بكركي «لا تمون» على القوى السياسية المسيحية لتليين موقفها، كما أنّ بكركي لا يمكن أن تكون بديلاً من القوى السياسية المسيحية في تأمين تغطية الطائفة للرئيس العتيد. وما يريده «الثنائي» حصراً، هو إدخالها في حوارٍ معه لسببين:
1- أن يحصل على اعتراف المرجعية المسيحية الروحية بأنّه هو، ولا أحد سواه، الشريك الأقوى في صناعة الرئيس، أي إنّ الرئيس المطلوب لا يمكن إلّا أنّ يكون مطمئناً للمقاومة، كما قال الأمين العام لـ»الحزب» السيد حسن نصر الله.

2- قطع الطريق على أي صرخةٍ طائفية قد ترتفع من الصرح البطريركي، تحت عنوان انتهاك الحقوق المسيحية، يمكن أن تكون لها تردّدات سلبية في مرحلة الفراغ الرئاسي، وتنعكس على خيارات أخرى منتظرة، ومنها عقد المجلس النيابي جلسات تشريع في ظل هذا الفراغ، وفيما الحكومة مستقيلة. وهو الأمر تتوافق القوى المسيحية كلها على رفضه واعتباره انتهاكاً للميثاقية.

ويأمل «الثنائي الشيعي» ضمان عدم اعتراض بكركي على جلسات التشريع، تحت عنوان الضرورة، واستناداً إلى سوابق، ولو عمدت القوى المسيحية إلى مقاطعتها.
ولكن، هل ستعقد بكركي تفاهمات سياسية خارج أطر التفاهم مع القوى السياسية المسيحية، سواء في ملف الرئاسة أو في ملف التشريع خلال فترة الفراغ الرئاسي وحكومة تصريف الأعمال؟

العارفون يعتقدون أنّها لن تفعل، ليس فقط لأنّها لا تريد خلق شرخ إضافي داخل الشريحة المسيحية، بل أيضاً لأنّها تدرك عبثية الدخول في أي تفاهمات لا تحظى بالتفاهم بين القوى المسيحية.

إذاً، الحوار الخجول الجاري مع بكركي لن يقود إلى مخرج للعقدة الرئاسية، وكذلك خطوط الاتصال المستورة والمكشوفة مع عواصم عربية وأوروبية. ويُخشى أن يكون البلد مقبلاً على احتقان سياسي واشتباك طائفي يعمّقان الفوضى.