IMLebanon

جبران باسيل يُناطح حزب الله  

 

 

صورتان ميّزتا المشهد اللبناني بالأمس وهما شديدتا التّناقض، الصّورة الأولى تبعث على تفاؤل شديد بأنّ لبنان وتحت أيّ وضع كان هو مصدرُ إشعاع وفرح واستقطاب من كلّ أنحاء العالم، فالخبر الذي جاء في لحظة تعقّد الوضع الدّاخلي عن الانتعاش السياحي الّذي سنشهده خلال فترة الأعياد مزدهر، فالطائرات “مفوّلة” والإقبال على الحجز في المطاعم والفنادق كبير، جاء كبقعة ضوء لامعة برّاقة في سماء معتمة… أمّا الصّورة الثّانية فعبثيّة مؤلمة سوداء هي الوجه الآخر المعتم للواقع اللبناني المنهار وهي صورة خرجت من بلدة فنيدق العكّارية لمواطن يحمل جثّة طفله الرضيع بين يديه ويتوجه به ليواريه الثّرى بعد أن رهن سيّارته لمستشفى الحبتور بعدما رفضت تسليمه جثّة طفله الّذي توفّي بعد وضعه في جهاز الحاضنة لمدّة 25 يوماً فارق بعدها الحياة وعجز الأب عن دفع مبلغ 2500 دولار أميركي طلبتها المستشفى محتجزة جثّة الرّضيع ولم تسلّمه لوالده إلّا بعد رهن “جثّة” السيّارة مقابل تسليم جثّة الرّضيع!

 

بين هاتيْن الصورتيْن السورياليّتيْن اللتيْن جاءتا في ظلّ التّصعيد الدّستوري التّعطيلي الخطير الّذي عاد إليه صهر العهد السّابق بعد فشله في منع اجتماع الحكومة يوم الاثنين الماضي وهو تصعيدٌ في وجه حزب الله الحليف الذي كانت استفادته الوحيدة من ورقة تفاهم مار مخايل الحصول على غطاء لبناني مسيحي يشرعن وجوده في لحظة كان فيها القرار 1559 يحزّ عنقه فحماه جبران باسيل خالعاً عليه شعبيّة عمّه “التسوناميّة” في شباط العام 2006 فيما حقّق باسيل شخصيّاً مكاسب هائلة في كلّ الوزارات التي فرضه عمّه على رأسها بقوّة التعطيل والتّرهيب بسلاح الحزب الحليف إلى أن حقّق باسيل وتيّاره وعمّه الجنرال رئيس تكتّل الإصلاح والتغيير حلم العمر بالعودة إلى قصر بعبدا رئيساً تحت عنوان أنّه سيكون حكماً و “بيّ الكل” فكان طرفاً ومتطرفاً في الانحياز لصهره الذي مارس طوال سنوات العهد المشؤوم لعمّه دور رئيس الظلّ ويريد اليوم أن يعود مجدّداً إلى قصر بعبدا ليكون رئيساً في الضّوء!

 

نفس الموّال! خرجت الصورة الدونكيشوتيّة المعتادة لتقرأ على مسامع اللبنانيّين مزمورها المعهود منذ العام 2005 المقاتلة من أجل “الوجود المسيحي” الذي أمعنوا فيه تدميراً وتهجيراً بسبب حروبهم العبثيّة في العامين 1989 و1990 و”الحقّ الرّئاسي” ونفس العديّة القديمة التي سئم منها اللبنانيّون إلى أبعد الحدود، كأنّه لم يكن في لبنان مسيحيّون قبل جبران باسيل وعمّه الرّئيس السّابق ولا سيستمرّ بعدهما الوجود المسيحي إلى ما شاء الله في هذه البقعة المباركة من المنطقة!

 

صولد وإلى أعلى قمّة في التّعطيل الانتحاري، هذه العائلة السياسيّة من العمّ إلى الصّهر متخصّصة في لعبة التّدمير الذّاتي بل وتتفوق فيها على جميع الفرقاء، هذه المرّة يبلغ العبث الدّستوري مداه مع تعطيل انعقاد أي جلسة لانتخاب رئيس للجمهوريّة بعدم حضورها هذه الجلسات لتُفقد المجلس ميثاقيّة غياب الفريق المسيحي المعني الأول بانتخاب الرّئيس، هذا عبث ولّادي سبق وعاش اللبنانيّون تجربته المريرة يوم خرج الفريق نفسه مع حليفه حزب الله ونصبوا مضاربهم في وسط مدينة بيروت وشلّوا الدّولة واتّهموا الحكومة بأنّها غير ميثاقيّة لانسحاب الوزراء الشيعة منها في أيلول العام 2006 لمنع إقرار المحكمة الدوليّة لجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري!

 

هذه العبثيّة والابتزاز والمغامرة التي يُعيد جبران باسيل خوضها مكرّراً تجربة عمّه وإن خلقت أزمة دستوريّة يطول أمدها ستودي بالبلاد إلى مؤتمر تأسيسي جديد سيفقد فيه المسيحيّون مجدّداً من حصّتهم في الدّولة فيما يقول هذا الفريق بهتاناً أنّه يدافع عن هذه الحقوق وعن الوجود المسيحي الذي يتسبّب بتهجيره كلّما وصل إلى السّلطة، عهد مشؤوم لم يجد اللبنانيّون بعد تعويذة نافعة لفكّ نحسه عنهم!