هي من المرات النادرة التي يصدر «حزب الله» بيان ردّ على حليفه ويضع فيه النقاط على حروف التباين. إعتاد الإستعانة على خلافاتهما بالصمت، الى أن بلغ الحديث تلميحاً الى شخص الأمين العام السيد حسن نصر الله. صوّب «حزب الله» البوصلة «لأصدقائنا» وأعاد التأكيد مجدداً على نوابه ووزرائه بعدم الإنجرار الى المساجلة أو تفسير البيان وإلتزام الصمت، بينما واصل نواب «التيار» تفسيراتهم للخلاف، فمنهم من رأى أنّ العلاقة تمر بأزمة تاريخية وآخر قال إن علاقتهما باتت كعلاقة زوجين منفصلين كل منهما يعيش في غرفة منفصلة، وعلى مواقع التواصل كانت عبارات التخوين تتطاير بين العونيين ولم تترك للسر مطرح.
مذ تحدث باسيل، كانت مواقفه مدعاة نقاش داخل صفوف «حزب الله» ومجلس الشورى لديه، حول فحوى ما قاله والمعاني المبطّنة له فكان هناك إتفاق على التأكيد «لا نريد أن ندخل في سجال مع أي من أصدقائنا»، ورغم أنّ «الكثير مما ورد في كلام الوزير باسيل يحتاج الى نقاش»، إلا أنّ «حزب الله» حصر الرد في مسألتين لضرورة إيضاحهما للرأي العام: نفيه أن يكون قدم وعداً لأحد بأنَّ حكومة تصريف الأعمال لن تجتمع إلا بعد اتفاق جميع مكوناتها أو أنه لن يحضر جلسات طارئة للحكومة إذا غاب عنها وزراء التيار. ولذا اعتبر البيان «أنَّ الصَّادقين لم ينكُثوا بوعد وقد يكون التبسَ الأمر على الوزير باسيل فأخطأ عندما اتّهم الصَّادقين بما لم يرتكبوه»، لتكون تلك العبارة رداً مباشراً على حديث باسيل عن»صادقين نكثوا بالوعد» غامزاً من خلالها الى شخص الأمين العام وفق ما فسره «حزب الله» الذي هاله توجيه الإتهام ضمناً للأمين العام السيد حسن نصر الله بعدم الوفاء بالوعد.
تقول المصادر المطلعة على موقف «حزب الله»: «ليست المرة الأولى التي يشن فيها «التيار» هجومه على «حزب الله» ولكن حين يتطرق باسيل إلى ما فيه مسّ مبطّن بشخص السيد وصدقيته، فالأمر يصبح مدعاة إجتماع ونقاش عميق وكان الرد ضرورة»، وقد اعتبر «حزب الله» أنّ «باسيل أشار بالمباشر الى السيد نصر الله حين تحدث عن الوعد الصادق فكان متعذراً السكوت خاصة وهو يعلم شخصياً أنّ السيد متى وعد وفى بوعده، ولذا من غير الممكن تصوير الموضوع أمام الرأي العام وكأن «حزب الله» يتحمل المسؤولية وأنه من سمح المس بحقوق المسيحيين فكان لا بدّ من الرد».
إستبق صدور البيان جلسة إنتخاب الرئيس النيابية. وكأنّه كان المقصود تصويب البوصلة وثني الحليف عن الذهاب بعيداً في التصعيد. مرّت الجلسة بأقل ضرر ممكن، ضيّع «التيار» أصواته بين هرج ومرج لا قيمة له، تجلت رسالته الوحيدة في تراجع عدد أوراق الإنتخاب بالورقة البيضاء. انتهت الجلسة على خير داخل القاعة وخارجها كانت وقفة مطولة بين نواب «حزب الله» وباسيل تؤكد أنّ الخلاف بينهما لا يفسد في الود قضية. وعلى عكس ما تم تصويره فإنّ الوقفة لم تقتصر على المصافحة والسلام تقول مصادر المشاركين فيها، بل تخللها نقاش للتطورات على ضفة العلاقة بين «الحزب» و»التيار» ورسائل مشفّرة. الأجواء لم تكن سلبية ولا إيجابية بالمطلق. «هناك إشكالية حصلت نتيجة التباين في المواقف بين الطرفين لم تعالج بعد لكن العلاقة غير آخذة بالتدهور بينهما».
لكن «التيار الوطني الحر» نفى أن يكون باسيل قد ألمح الى السيد نصر الله أو قصده في كلامه أو أن يكون «الحزب» مقصوداً بما قيل بل أنّ الإتهام وجه للنواب ممن سبق وشاركوا في جلسة مجلس النواب التي عقدت لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال حيث خرج النواب بالتأكيد على عدم عقد جلسات للحكومة إلا في الحالات الطارئة، وبموافقة كل مكوناتها السياسية والموافقة مسبقاً على جدول الأعمال، وليس أن تصدر القرارات بتوقيعين الاول صادر عن ميقاتي بصفته رئيس حكومة والثاني عنه أيضاً بدلاً من رئيس الجمهورية، وهو ما فسره «التيار» على أنه محاولة إلغاء لموقع الرئاسة الأولى شارك فيها وزراء «حزب الله». يعيد «التيار» تصويب السجال فيحصره بوجود مخالفة دستورية ميقاتية جرت لا يمكن القبول بتمريرها لما تمثله من إنقلاب على الدستور وقد تمت بالتغطية على ميقاتي وكأن المقصود حذفنا من المعادلة. ويصرّ على المعالجة دستورياً بالتراجع عما أقر في الجلسة والركون الى طرق أخرى لإتخاذ القرارات. فهل هو تراجع المقصود منه وضع حد للسجال؟
العلاقة بين «التيار» و»حزب الله» مجمدة حالياً على سلبية بسبب ما يتحدث الحزب عن «إتهامات باطلة وحملة ضده على مواقع التواصل الإجتماعي»، وتستغرب المصادر المطلعة على موقف «حزب الله» كيف أنّ «أحد طرفي التفاهم يؤكد الحرص عليه فيما يتحدث الطرف الآخر عن أسوأ أزمة في تاريخه». ورغم ذلك يأمل «حزب الله» في طي صفحة الخلاف وعودة العلاقة الى طبيعتها.