مواقف رئيس تكتّل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل، كما أعلنها في مؤتمره الصحافي أمس، تبدو أقرب إلى مدّ جسور مع الخارِج أكثر منها رسائل داخلية، وتتضمن نقطتين تحمِلان جديداً وتطرحان أسئلة عما خلفهما من متغيّرات. خصوصاً أن النقاط الأخرى، كما فصّلها باسيل ليست، عادية، وإنما تأكيد على النقطتين المفصليتين: أولاهما «المداورة في الحكومة»، وثانيها «ملف ترسيم الحدود وتحييد لبنان».
مواقف باسيل استرعت انتباه جهات عدة، وجدت في ما قاله اشارات «تمايُز» عن حزب الله هي الاولى من نوعها. وعزا هؤلاء موقف باسيل الى تعرضه لضغوط وتهويل العقوبات الأميركية، لا سيما بعد فرضها على إثنين من حلفاء الحزب، الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس.
و«النقزة» التي ظهرت ربما مردها الى كون باسيل اطلق مواقف من ملف المداورة في الحقائب الحكومية او ترسيم الحدود او مواقف فصائل المقاومة الفلسطينية، في وقت يعتبر حزب الله بأن انقلاباً سياسياً يُحضّر ضده، لا سيما في موضوع الحكومة التي سعَت الولايات المتحدة منذ انتفاضة 17 تشرين الى إخراجه منها وعزله داخلياً. ولا يفصل الحزب موضوع «سلب» وزارة المالية من الطائفة الشيعية عن مسار الإنقلاب الذي تريده واشنطن، وهذا ما دفع الى السؤال: كيف يعلن باسيل موقفه الذي جاء فيه «نحن مع المداورة، وإذا حصلت طائفة على وزارة عدّة مرّات، بما فيها هذه المرّة، فهذا لا يخلق عرفا. العرف يكون بقبول الجميع، والدستور واضح بعدم تكريس وزارة لطائفة. أمّا اذا كان الهدف هو تكريس التوقيع الثالث فهذه مثالثة ونحن نرفضها حتماً».
تلقّف باسيل موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي حول حياد لبنان، بعدَ الحملة الشرسة للبطريرك ضد حزب الله. صحيح أنه رحّل الحديث به كونه «بحاجة إلى حوار وتفاهم داخلي»، لكنه سجّل موقفاً متقدماً عبّر فيه عن «عدم تحمّل اللبنانيين تبعات مشاكل الغير التي وصلت إلى حدّها الأقصى»، ولم يتأخر في تناول مشاركة الحزب في سوريا، فقدّر بأن الحزب يفكر «بالعودة من هناك، وأن على اللبنانيين احتضان هذا القرار ودعمه».
الحياد الذي ذكره باسيل وضعه في إطار «الشقّ السياسي لمبادرة»، لها أيضاً شق إقتصادي متعلّق «بترسيم الحدود»، فاصلاً بين «حقوق لبنان وسيادته وبين مصلحة البلد». فاعتبر أن «من مصلحة البلد الإستعجال في انهاء هذا الملف من دون مزايدات» في موقف فسر على انه رسالة الى الرئيس نبيه بري. ما استدعى رداً من عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم الذي غرّد بأن «ترسيم الحدود لا يقف عند حدود المصلحة بل هو من المبادىء والثوابت الوطنية والتمسك بكل ذرة تراب محتلة». يأتي كلام باسيل في عز ربط الثنائي، حزب الله وحركة أمل، موضوع العقوبات بالضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على لبنان لتحصيل تنازلات في ملف ترسيم الحدود، وبعد فترة من لقاءات جمعته مع السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، وعدَ خلالها بلعب دور إيجابي، رغم معرفته بتبعات الترسيم وفق ما تريده واشنطن وما تطمح إليه إسرائيل، كما حساسية المقاومة تجاه هذا الملف.
بمعزل عن النقاط الأخرى التي ذكرها باسيل في ما يتعلّق بالمبادرة الفرنسية، وتصويبه في اتجاه تيار المستقبل والقوات اللبنانية، يبقى ما ذُكر سابقاً هو أكثر ما تلقفه فريق 8 آذار من المؤتمر. من هنا، تنطلق مصادر في هذا الفريق للحديث أولاً عن موضوع الحكومة وعمّا إذا كانت العقوبات التي تلوّح بها واشنطن ستدفع التيار الوطني الحرّ لترجمة أقوال باسيل إلى أفعال. فهل يقبل الأخير ويغطي حكومة لا يشارك فيها الثنائي الشيعي في ظلّ الإصرار على عدم إعطائهما وزارة المالية؟ وهل يعمَد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى توقيع مرسوم تشكيلة حكومة الأمر الواقع ورمي الكرة بين يدي الثنائي، من باب تجنبّه شخصياً مسؤولية إسقاط المبادرة الفرنسية؟