حين يمنّن رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» جبران باسيل «حزب الله» بأنّه بقي معه في الشارع سنتين، فـ»للحزب» الحقّ في أن يضحك كثيراً وهو أكثر العارفين بفعل الخبرة الطويلة، برئيس الجمهورية السابق ميشال عون وحلمه الرئاسي، الذي قاده بعد عودته من باريس الى توقيع «تفاهم مار مخايل» المصلحيّ. لقد أتى عون من باريس وكما بات معروفاً، على الطاولة مناقصة سياسية، لا يربحها إلّا من يعده بالرئاسة، ورسا العرض على «حزب الله»، الذي أجّل التنفيذ من العام 2008 إلى العام 2016 . ولو كانت لـ»حزب الله» مصلحة بالردّ على باسيل وعلى بقائه في الشارع من أجل عيون «الحزب» سنتين لقال له: لقد كنت في الشارع وكنت من أكثر المتحمّسين لـ7 أيار لأنك اعتقدت أنها ستوصلك إلى بعبدا فكفى «تربيح جميلة».
استعادت الانتكاسة المؤقتة في علاقة «التيار العوني» بـ»حزب الله» صورة شهر العسل الدائم الذي بُني على المصالح المتبادلة الدائمة، منذ اختيار كنيسة مار مخايل لتكون غطاء لعقد المتعة السياسي. سبق لعون ونصرالله أن ظهرا معاً في مقابلة تلفزيونية، ووصفهما وليد جنبلاط بروميو وجولييت، وسبق الانتكاسة أيضاً، الكثير من الخلافات وكلّها تركّزت على التسعيرة لا على مبدأ التحالف المصلحي. «التيار العوني» بات يقرّش علاقته بـ»الحزب» بالثمن الباهظ الذي دفعه جبران باسيل الذي عوقب أميركياً، كما أنه بات كالزوجة الثانية التي تغار من اهتمام الزوج بزوجته الأولى، مطالبة بالعدل والمساواة.
فيما «حزب الله» يدرك أنّ ما قدّمه لعون بفعل هذا التحالف يتوافق تماماً مع ما أراده عون. قدّم «الحزب» السلطة على طبق من ذهب، وقدّم الدعم المادي، وأوصل عون إلى بعبدا، وعطّل حكومات لتوزير جبران باسيل، ودعم قانون انتخاب مفصّلاً على قياس البترون، ولم يترك في الوزارة والإدارة موقعاً فارغاً إلّا وأعطاه لعون و»تياره»، وراقب عن قرب وعن بعد صفقات البواخر والسدود والاتصالات والتوظيف غير الشرعي، وأخيراً وليس آخراً، أمّن لباسيل في الانتخابات الأخيرة كتلة نيابية كانت لتكون النصف عددياً لو لم يفرض مرشحيه في اللوائح في أكثر من دائرة، ومع كل هذه التقديمات، لم يشبع باسيل النهم إلى كل شيء، بدءاً بموقع الرئاسة الاولى، فكان لا بدّ من «هزّة بدن» لن تؤدي في النهاية إلى أكثر من إعادة ضبط وترسيم حدود اللعبة والأحجام والحصص.
ليس أكثر من الرئيس عون من يعرف من هو «حزب الله»، وليس أكثر من وريثه وتلميذه من فهم هذه الحقيقة، ولذلك لن تتعدّى عاصفة باسيل فنجان القهوة إلى ما هو أعظم، لأنّ مصلحته تكمن بالبقاء مع «حزب الله»، ولأنّ خشيته تملي عليه عدم تجاوز الخطوط الحمراء، وهو أكثر من يعرف كيف ينضبط وراءها، فلا يدخل في المنطقة الخطرة.
لهذا ستكون أزمة باسيل مع «حزب الله» مجرّد أزمة عابرة، طالما أنّ لا مصلحة ولا قدرة على التملّص من التحالف، المستمرّ منذ العام 2005، وفق معادلة واضحة. عون يغطّي سلاح حليفه ومشروعه الذي يتّخذ من لبنان قاعدة تستهدف كلّ المنطقة، و»الحزب» يقدّم لعون على طبق من فضّة ما تيّسر من السلطة والنفوذ والمكاسب، أما ما لا يتيسّر فيمكن معالجته ببعض اللين والشدة، كما حصل في الانتكاسة الأخيرة.