Site icon IMLebanon

خوف باسيل من رئيس يستقطب عطف “الدويلة” لا “بدلة” الدولة

 

يخوض رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» النائب جبران باسيل الحروب في كلّ الإتجاهات، لكنّ هدفه الوحيد هو البقاء في دائرة التأثير، كما كان وضعه بعد توقيع إتفاق «مار مخايل» وعند انتخاب عمّه العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.

 

في لبنان، أي فريق يخرج من جنّة السّلطة يتراجع دوره وحضوره، فكيف الحال بالنسبة إلى باسيل الذي كان «رئيس الظل» طوال السنوات الستّ الماضية؟ فخصومه سينقضّون عليه وحلفاؤه من الخط نفسه سيصفّون الحسابات معه، ومحاولة انتفاضته وانقلابه على «حزب الله» كانت أشبه بـ»زوبعة في فنجان»، أو بالأحرى، أشبه بانقلاب العميد عبد العزيز الأحدب في بداية الحرب اللبنانية. لذلك عاد باسيل إلى بيت طاعة «حزب الله».

 

ويعرف رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» أكثر من غيره أنّ حظوظه الرئاسية معدومة، لذلك فإنّ البحث إنتقل إلى سلسلة أسماء أبرزها رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزاف عون إضافةً إلى لائحة من الأسماء المتداولة.

 

وإذا كان باسيل يرفض فرنجية لأسباب باتت معروفة فإنّ رفضه قائد الجيش لم يصل إلى حدّ وضع خط أحمر حول انتخابه، في حين سرت نظرية تقول إن باسيل يرفض انتخاب العماد جوزاف عون لسبب رئيسي وهو أن الجمهور العوني سيتعاطف مع قائد الجيش لأنه جمهور شبّ على حبّ «البدلة» العسكرية. في الظاهر تبدو هذه النظرية صحيحة، أمّا في العمق فإنها لا تصحّ أبداً لأن الجمهور العوني بات في مكان آخر والتجارب السابقة تدلّ على أنّ من حاول العمل السياسي تحت شعار «البدلة» لم يستطع أخذ شيء من الجوّ العوني ليس لأنّه لا يستطيع فعل هذا الأمر، بل لأن العونيين باتوا في مكان آخر.

 

وتستند هذه النظرية إلى تجارب ماضية، فعند انتخاب الرئيس إميل لحود خريف 1998، ظنّ الجميع أن لحود سيستقطب جمهوراً عونياً لأنه كان قائداً للجيش، لكن سلوك لحود الذي شكّل أحد أبرز رموز الإحتلال السوري لم يساعد في هذا الأمر وبقي العوني عونياً حتى بعد تحالف عون العائد من منفاه مع لحود.

 

أما التجربة الثانية فحصلت في انتخابات 2009 النيابية، وقتها خيضت الإنتخابات بعد انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً، وحاول النائب الراحل ميشال المرّ تكوين كتلة نيابية وسطية لدعم رئيس الجمهورية، وعلى رغم النتائج التي حقّقتها هذه القوى، إلا أن العماد ميشال عون إستطاع الفوز ونيل العلامة الكاملة من مقاعد جبيل وكسروان وبعبدا واحتفظ بستة مقاعد من أصل ثمانية في المتن وسيطر على مقاعد جزين الثلاثة، وسط عدم رغبة سليمان بتشكيل زعامة سياسية.

 

أما التجربة الثالثة فتتمثل في تجربة العميد شامل روكز. فروكز المغوار قائد المغاوير، كان محبوباً من الجمهور العوني وصاهر الرئيس عون، وكان مثالاً يُحتذى به، ولكن عندما وقع الخلاف بينه وبين باسيل ورفع «التيار الوطنيّ الحرّ» الغطاء عنه سقط في الإنتخابات الأخيرة في كسروان على رغم أنّ عون قال عبارة شهيرة في انتخابات 2018 وهي «شامل أنا وأنا شامل»، كذلك فإن روكز لم يستطع بناء زعامة ولو أنه إبن أكبر البلدات المارونية (تنورين) وترشّح في كسروان وجيّش تحت شعار «البدلة».

 

الجمهور العوني

 

وأمام كل هذه التجارب السابقة، يؤكّد قيادي عوني سابق أنّ الجمهور العوني الذي دعم عون عام 1988 كان شيئاً واليوم هو شيء آخر، فحينها كان هذا الجمهور يؤمن بحلم الدولة الذي استخدمه العماد عون لدغدغة مشاعر الجماهير وكان يقاتل من أجل هذا الهدف ودحر الإحتلال السوري. أمّا الجمهور العوني- الباسيلي اليوم فيتألف من أفراد بعضهم ما زالوا مغشوشين بهذه الطروحات ولم يعوا بعد حقيقة الوضع، ومجموعات من خطّ اليسار والقومي والبعثي وممّن يكنّون العداء لأحزاب اليمين المسيحي وعلى رأسها «القوات اللبنانية»، إضافة إلى طبقة مستفيدين جدد نشأت مع باسيل، في حين أنّ كلّ المناضلين القدامى باتوا خارج صفوف «التيار». ومن يسمع النائب الزحلاوي سليم عون لا يستطيع تفضيل الرئيس الشهيد بشير الجميل على السيد حسن نصرالله كما أن من يسمع تصريحات الكوادر الباسيلية التي تتحدّث بـ»ذميّة» يعرف من هو الجمهور العوني الحالي.

 

ويتبيّن أنّ العنصر الشبابي المسيحي بات في الضفة المقابلة وهذا ما أظهرته نتائج الإنتخابات الجامعية في الجامعات المسيحية بعد تراجع «التيار» في الإنتخابات النيابية، في حين أنّ من يؤمن بمشروع الدولة يقف في الخندق المناقض لباسيل ومشروع «حزب الله»، بينما في نظر أغلبية الشارع المسيحي فإن باسيل حليف «الدويلة».

 

من هنا، يظهر مدى الغضب الذي ساد باسيل من جرّاء إمكانية دعم «حزب الله» ترشيح فرنجية، فالقصة لا تقتصر على الصراع الرئاسي، بل إنّ فرنجية وفور انتخابه سيجذب من بقي من مسيحيين مع مشروع «حزب الله» كما أنّه سينال عطف ورضى جمهور «الدويلة»، وهذا الأمر سيشكّل منافساً لباسيل الذي احتكر العلاقة مع «حزب الله» وحقق أكبر قدر من المكاسب وغطّى مشروع «الحزب» الذي يضرب مشروع الدولة، فالجمهور الذي يؤيد قائد الجيش هو مع سلاح الجيش وحده بينما من يؤيد باسيل هو من يرى أنه لولا سلاح «الحزب» لكانت «داعش» وصلت إلى جونية.