IMLebanon

كيف سيتمّ إقناع جبران باسيل؟

 

 

حتى اليوم، تحرص أوساط «حزب الله» على تأكيد أن لا مرشح لرئاسة الجمهورية سيتمّ فرضه رغماً عن إرادة الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل. وموقف «الحزب» هذا جدّي بالتأكيد، وليس للمناورة. فحتى إشعار آخر، سيبقى «التيار الوطني الحر» هو الحليف المسيحي «المعتمد» لدى «الحزب» في الدرجة الأولى.

وهذا الأمر يعرفه «التيار» جيداً، وإليه يرتكز ليتشبث بموقفه. إذ يرى أنّ من حقه على «الحزب» أن يحفظ له موقعه المميَّز على الخريطة السياسية وداخل السلطة، بعدما سلَّفه «التيار» تغطية مسيحية ووطنية للسلاح طوال سنوات ولا يزال.

بل إنّ باسيل يعتبر أنّه دفع ثمن تأمينه هذه التغطية خسارةً في شعبيته المسيحية وعقوباتٍ أميركية، فيما كان حلفاء «الحزب» الآخرون ينكفئون عن الواجهة ويسايرون في كل الاتجاهات. وهؤلاء لهم حساباتهم، وتجنّبوا «تلطيخ» صورتهم على رغم تحالفهم مع «الحزب».

يرى «التيار» أنّ العلاقة مع «حزب الله» يجب أن تحافظ على التوازي بين طرفي المعادلة. فأياً كانت المبرّرات، يجب ألّا يتخلّى «الحزب» عن دعمه لباسيل في خلافة عون كرئيس للجمهورية. فـ»تفاهم مار مخايل» ليس معقوداً مع عون وحده، وبشكل شخصي، بل هو يعني «التيار» وقيادته، علماً أنّ باسيل كان من الذين اضطلعوا بدور أساسي في تحقيق هذا التفاهم.

لكن الحجّة التي يتمسك بها «حزب الله» جاهزة وقوية، وهي أنّ مشكلة باسيل مع الرئاسة لا تكمن أساساً في عدم دعم «الحزب» له، بل في «الفيتو» الذي يفرضه الأميركيون والعرب عليه. وإذا قرَّر «الحزب» دعم باسيل، افتراضاً، فإنّ هذا الدعم لن يفتح له أبواب الرئاسة بل سيضاعف حدَّة «الفيتوات» الخارجية ضده.

وفي شكل معاكس، إنّ وجود خلافٍ بين باسيل و»الحزب» في ملف الرئاسة ومسائل أخرى، يمكن أن يستفيد منه باسيل «لتبرئة» نفسه، ولو جزئياً من ارتباطه العميق بـ»الحزب». وثمة من يعتقد أنّ التباعد الظاهر بين الطرفين، ربما يسهِّل تلميع صورة الرجل في المحافل الخارجية.

ولكن، في المقابل، هناك انطباع لدى كثيرين بأنّ الخلاف المعلن مع باسيل لا يزعج «الحزب» الذي يعرف أنّ هذا الخلاف سيبقى تحت السيطرة، بل هو يحقق هدفاً آخر هو التأخير في إنجاز ملف الانتخابات الرئاسية. فـ»حزب الله» يرغب في إنجاز سلة تسويات للوضع الداخلي، وهو يفضل أن يبرمج ساعته على التحولات الإقليمية والدولية التي يمكن أن تمنحه مكاسب أفضل.

في الظاهر، يبدو «حزب الله» واقفاً بين استحالتين: استحالة وصول باسيل إلى الرئاسة بسبب «الفيتوات» الداخلية والخارجية الكثيفة، واستحالة وصول فرنجية بسبب «الفيتو» المسيحي شبه الشامل المضروب عليه. وفي ظل هاتين الاستحالتين، ثمة مَن يعتقد أنّ حظوظ قائد الجيش العماد جوزف عون تصبح هي الوحيدة الجدّية، لأنّ الرجل يمكن أن يحظى بدعم داخلي وخارجي في آن معاً، ومن اتجاهات متعاكسة.

إذا كان «حزب الله» يفضّل هذا الخيار، فمن السهل عليه أن يستفيد من الخلاف الشرس، الذي يعطل الانتخابات الرئاسية، بين الحليفين المارونيين، ليطرح قائد الجيش حلاً وسطاً. ولكن، ليس مؤكّداً أنّ «الحزب» يفضّل قائداً للجيش، يتموضع على مسافة وسطى بين الجميع في الداخل والخارج، بدلاً من حليف قريب يتماهى معه تماماً في الاستراتيجية والتكتيك.

ويقول أصحاب هذه الفرضية إنّ فترة الشغور السابقة في موقع الرئاسة، التي استمرت من ربيع العام 2014 حتى خريف 2016، سمحت لـ»حزب الله» كي ينقل الرئاسة والبلد من مرحلة قائد الجيش «التوافقي» ميشال سليمان إلى مرحلة الحليف الأقرب ميشال عون. ومعلوم أنّ العلاقة بين «الحزب» وسليمان بدأت جيدة، لكنها انتهت على خلافات شرسة.

فهل يمكن أن يستخدم «حزب الله» مرحلة الشغور الرئاسي الحالية ليفعل عكس ما فعله في العام 2016، أي لينقل الرئاسة من يد الحليف اللصيق ميشال عون إلى يد قائد الجيش جوزف عون؟

على الأرجح، ليس «حزب الله» معادياً لخيار قائد الجيش الحالي. وقد عبّر مسؤولوه أخيراً عن تقديرهم للرجل والعلاقة معه. وإذا فرضت الظروف على «الحزب» أن يوافق على قائد الجيش، مقابل ضمانات وثيقة وطويلة الأمد، داخلية وخارجية، فإنّه قد يوافق. ولكن، بالتأكيد، خيار «الحزب» المفضّل هو أحد الحليفين اللصيقين: باسيل أو فرنجية، أي إنّ الدائرة تدور في الملف الرئاسي لتعود إلى النقطة إياها.

بين الحليفين المارونيين، قد يكون الأسهل تسويق فرنجية عربياً ودولياً. ولكن ما الثمن الذي سيُدفع لـ»القوات اللبنانية» كي توفر التغطية المسيحية، أو كيف سيتمّ إقناع باسيل؟ وفي المقابل، أي معجزة يحتاج إليها باسيل لينجح في تلميع صورته لدى القوى المسلمة في لبنان، ولدى العرب والأميركيين؟
إنّها الدائرة المقفلة فعلاً. فطريق القصر تبدو مسدودة. ووحدها طريق الفراغ والفوضى تبقى مفتوحة، حتى إشعار آخر.