IMLebanon

باسيل نيابة عن كامل الطبقة السياسية: لا حول ولا قوة لنا!

 

أكثر من 2700 كلمة، بلغ حجم المؤتمر الصحافي لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، كان بالامكان اختصاره بفكرة واحدة: لا حول ولا قوّة لنا! شأنه بذلك شأن بقية الطبقة السياسية التي أوصلت البلاد إلى الحضيض المالي، ما أفقد مكوناتها زمام المبادرة، وباتت مجبرة لا مخيّرة بقبول ما تريده الإدارة الفرنسية جملة وتفصيلاً.

 

ساذج من يعتقد أنّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون سيخاطر برصيده وبصدقيته ليترك نفسه ينزلق في وحول التعقيدات اللبنانية ومصالح القوى السياسية واعتباراتها. زمن الغنج والدلال ولّى. صحيح أن ّتوقيت تدخله مرتبط بمنظومة مصالح أوروبية شرق أوسطية، لكنه يأخذ في الاعتبار أيضاً لحظة سقوط الهيكل اللبناني على رؤوس الطبقة السياسية. الانهيار وقع، والاعلان عنه يحتاج إلى أسابيع قليلة. ولهذا لا يملك أي من القوى اللبنانية ترف الرفض أو المواجهة. كل ما يحصل هو مجرد تشاطر اللحظات الأخيرة لتحسين الشروط لا أكثر.

 

لكن القطار الفرنسي انطلق، ومن يمانع مواكبته، قد يبقى في المحطة الأولى. المسألة أكبر من تأليف حكومة ذات مهمة إصلاحية، سواء تولى الرئيس المكلف مصطفى أديب، شكلياً، تأليفها، أم كان للرئيس سعد الحريري بصماته في تسمياتها. إنها أشبه بمرحلة انتقالية، يعرف الجميع كيف ستبدأ لكنهم يجهلون تماماً كيف ستنتهي. ولهذا سيكون من الصعب جداً التعامل مع التطورات على أنّها موضعية ترتبط باسم من هنا أو حقيبة من هناك.

 

قد لا يكون المؤتمر التأسيسي على الأبواب. وقد يفعلها ماكرون ويستضيف رؤساء الكتل النيابية في باريس خلال الشهرين المقبلين بالتزامن مع انعقاد المؤتمر الدولي المالي الداعم للبنان، والذي وعد الرئيس الفرنسي بتنظيمه اذا ما أقلعت الورشة الاصلاحية، وذلك لمناقشة الأوراق السياسية التي أعدتها الأحزاب والتيارات في محاولة للبحث في كيفية تطوير النظام السياسي. ولكن ما يخطط له الفرنسيون، كما يتسرب عنهم، من أفكار ومشاريع تطال الإدارة والقضاء، يشي بما لا يقبل الجدل أنّ “الجمهورية الثالثة” باتت على مسافة “حكومة مصطفى أديب”.

 

ولكن حتى ذلك الحين، تتصرف القوى السياسية على قاعدة “نجّنا من الأعظم”، خصوصاً وأنّ كل المؤشرات تدلّ على أنّ باب العقوبات فتح ولن يقفل بسهولة. كل ما أتى في المؤتمر الصحافي الذي عقده جبران باسيل يوم أمس، يثبت أنّ الرجل رفع يديه استسلاماً للمشيئة الفرنسية. للمرة الثانية على التوالي، كرر إنّه لن يقف عثرة أمام تأليف الحكومة، نافياً وجود أي شرط لا بل قال: “مش حابين نشارك فيها”. ولو أنّه ترك “صنارة عالقة” من خلال إشارته إلى “رئيس الجمهورية يعوّض عنا في هذه الظروف الاستثنائية”، وذلك من باب التذكير بـ”توقيع” رئيس الجمهورية الذي يحتّم على رئيس الحكومة المكلف التشاور معه والوقوف عند رأيه، الأمر الذي لم يقم به أديب إلى الآن، قبل التوقيع على مراسيم اعلان الحكومة.

 

غير أنّ هذا الهامش الذي أعاد باسيل الإضاءة عليه، لن يكون وفق المتابعين للاتصالات الحكومية، حجّة يختبئ خلفها رئيس الجمهورية لتعليق المسودة الحكومية التي سيرفعها أديب. يؤكد هؤلاء أنّ الرئيس عون يتجه إلى التوقيع ولو استمهل لساعات، لكنّه لن يعطي الفرنسيين ورقة ضاغطة عليه، خصوصاً وأنّ هناك من يغمز من قناة الحريري في سعيه إلى احراج “التيار الوطني الحر” ومعه رئيس الجمهورية من خلال الدفع نحو مسودة حكومية له فيها الكثير من البصمات. ويشير هؤلاء إلى أنّ عون لن يمنح خصومه اضبارة اتهامه برمي البلاد في أتون الانفجار الاجتماعي، وسيلاقي الفرنسيين إلى منتصف الطريق، وليدبّر الآخرون رؤوسهم.

 

وقد ألمح باسيل خلال مؤتمره الصحافي إلى “إصرار فريق واحد على التأليف من دون التشاور مع أحد تحت عنوان الاختصاص وعدم الولاء الحزبي والاستقواء بالخارج؟”. وهو يقصد بالدرجة الأولى الحريري ومعه نادي رؤساء الحكومات السابقين.

 

ولكن ما ساقه رئيس “التيار الوطني الحر” في كلمته المتلفزة في “كفة”، وإشارته إلى أنّ المسار السياسي في مبادرة “التيار الخلاصيّة” في كفة أخرى، وهو يتضمن محطتين: حوار وطني، ومن ثم حكومة وفاق وطني لاستكمال تنفيذ الاصلاحات ومقررات الحوار الوطني.

 

يعني ذلك العودة إلى مربع ما قبل حكومة حسان دياب، وقد تناسى باسيل أنّه سبق له أن “شيطن” حكومات الوحدة الوطنية كونها فشلت في تحقيق أي انجاز، وتناسى أيضاً أنّ خلافه مع الحريري هو الذي حال دون ولادة هكذا نوع من الحكومات رغم المجهود المضني الذي قاده الثنائي الشيعي. وها هو يمحو بشحطة قلم كل ما سبق وقاله، ليضمن استباقياً عودته إلى الواجهة الحكومية في حكومات ما بعد مصطفى أديب.