مصطلح «بتراء» لم يستخدمه «التيار الوطني الحر» في أدبياته السياسية، وإنّما استخدمه «حزب الله» وحركة «أمل» بعد انسحاب الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وعلى رغم هذا الانسحاب، فإنّ تلك الحكومة استمرت في عقد جلساتها وسط غياب الوزراء الشيعة، فأطلق عليها «الحزب» وحركة «أمل» صفة «الحكومة البتراء».
يستعير «التيار الوطني الحر» هذا المصطلح، بعد سبعة عشر عاماً على إطلاقه، لكن مفعوله ليس مؤثِّراً، لأنّ لا مكون طائفياً غائب عن جلسات مجلس الوزراء، وحتى المكوِّنات الحزبية المشارِكة أصلاً في الحكومة، حاضرة أيضاً ولا سيما «التيار الوطني الحر».
السؤال هنا: هل أخطأ رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في الرهان على إمكان اصطفاف «حزب الله» إلى جانبه، في معركة «كسر العضم» مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي؟ هل في حسابات «حزب الله» أنّ الخلاف مع باسيل هو أقل كلفةً من الخلاف مع الرئيس ميقاتي، بصفته «الرئيس الثالث»؟
من خلال كل المعطيات، يتبيّن أنّ الوزير باسيل «يلعبها صولد» مع «حزب الله»، وهو يرى أنّ الأخير سدّد إليه ضربتين قاسيتيْن: الأولى تبنّيه ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، والثانية تأييده لعقد جلسات لمجلس الوزراء، وقد أصبحتا جلستيْن، ما يعطيهما صفة «السابقة»، بمعنى أن الرئيس ميقاتي، على طريقة الرئيس نبيه بري، سيعتمد أسلوب «سحب أرانب البنود المهمّة من كمِّه» تماماً كما سحب «أرنبَيْ» تمويل شراء أدوية الأمراض المستعصية، وتمويل شراء الفيول، وستكرّ سبحة «الأرانب»، وما أكثرها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الملف التربوي.
هل أخطأ جبران باسيل في رفع السقف إلى هذا الحد؟ وهل خاطر في تسلّق شجرة التصعيد من دون احتساب العواقب السياسية؟ خصومه يذكِّرونه بأنّ مصطلح «حكومة بتراء» فقد صلاحيته، فالحكومة العسكرية التي كانت برئاسة العماد ميشال عون عام 1988، تحولت إلى بتراء قبل أن يجف حبر مرسوم تأليفها، إذ استقال منها، مباشرةً بعد تشكيلها، الوزراء المسلمون (السني والشيعي والدرزي)، فحكم الجنرال عون بالوزيرين، الارثوذكسي، اللواء عصام ابو جمرا، والكاثوليكي، اللواء أدغار معلوف، واتخذت تلك الحكومة قرارات استراتيجية منها إعلان حرب التحرير على سوريا، وحل مجلس النواب.
إنطلاقاً من هذه الوقائع وهذه السوابق، فإن تهمة «الحكومة البتراء» لم تعُد تُصرَف في السياسة، فكيف سيخرج رئيس «التيار» من هذه «العزلة» الناجمة عن خطأ في تقدير موقف شريكه في التفاهم؟
أياً تكن محاولات «إنعاش» تفاهم مارمخايل، جارية، فإنّ الجرة انكسرت بين ميرنا شالوحي وحارة حريك، فماذا بقي من التفاهُم؟
وإذا استمرت المكابرة، فإن «حزب الله» ما زال يحتفظ بكثير من الأوراق، في كباشه مع رئيس «التيار»، وأبرز هذه الأوراق نواب «التيار» الذين لولا أصوات «حزب الله» لكان وضعهم صعباً في صناديق الإقتراع، من سليم عون في زحلة، إلى شربل مارون في البقاع الغربي، إلى سامر التوم في بعلبك الهرمل وحتى آلان عون في بعبدا، فهل سيحاول باسيل النزول عن «شجرة المكابرة»؟ أم يستمر في المواجهة حتى النهاية؟