لا يُحسد جبران باسيل على ما آل إليه وضعه. الإرباك بادٍ على حراكه السياسي، بوضوح. لا داعي للإستفسار كثيراً حول الخلفيات والمسبّبات. التخبّط هو عنوان منزلته السياسية منذ 31 تشرين الأول الماضي. الأصحّ منذ ما قبل هذا التاريخ، ولكنّ ظواهر هذا التخبّط راحت تظهر للعلن منذ خروجه، والرئيس السابق ميشال عون من قصر بعبدا.
يحتار باسيل من يزكّي لرئاسة الجمهورية. مروحة الأسماء التي يحملها في جعبته وينقلها من لقاء إلى آخر ومن اجتماع إلى آخر، باتت واسعة. لكنّ حيرته لا تنبع من طبيعة الأسماء أو هوية المرشحين الذين نقل بعضهم إلى مصاف الترشيحات الرئاسية، وإنما من أسباب أخرى لا تتصل أبداً بمكوّنات «القائمة الذهبية»، وإنّما بمصير باسيل نفسه.
أولويات رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» في مكان آخر. يريد أولاً أن يتخلّص من ترشيح رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية وقائد الجيش جوزاف عون. يريد ثانياً رئيساً يكون هو رئيسه، أو شريكه المضارب. ولذا لا تعود للاسم أهمية بالغة، بمقدار نجاحه في إقناع الآخرين، حلفاء أو خصوماً بهذا الاسم.
بهذا المعنى طرق باسيل كلّ الأبواب المتاحة، محلياً وخارجياً لعلّه ينجح في تزكية الخيار الثالث الذي يحيله من رئيس محتمل إلى صانع رئيس. فاتح الفرنسيين كما القطريين، وطرح الفكرة على الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، تحدّث مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي كما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، كذلك فلش الأسماء أمام البطريرك الماروني بشارة الراعي في محاولة لتشكيل حلف ثنائي مسيحي على قاعدة الخيار الثالث… لكن النتيجة كانت «صفراً». لم تتقدّم مبادرته أي خطوة للأمام.
في الواقع، لا تكمن أزمة باسيل في الأسماء التي حملها، ولو أنّها بالنتيجة لا تنطلق في حسابات الأرقام والأصوات من عتبة مؤهّلة تكفيها لدخول البرلمان كترشيحات جدية، على عكس وضع كلّ من قائد الجيش وسليمان فرنجية وميشال معوّض. أزمته تكمن في سيرته، وسلوكه وأدائه طوال السنوات الماضية. يكفي لمن التقى باسيل، وتحديداً برّي وجنبلاط أن يراجعا الرسم البياني للعلاقة الثنائية مع رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» لكي يسارعا إلى إقفال الباب أمام أي مبادرة يحملها الضيف، تعيده من «الحديقة الخلفية» إلى قصر بعبدا. عامل الثقة مفقود، والكيمياء غير متوافرة، وأيّ منهما غير مستعد لتقديم طوق نجاة لجبران باسيل مهما كان الثمن.
فعلياً، حين تأكّد رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» أنّ «حزب الله» غير مستعدّ للإصغاء إلى أي طرح ثالث، يحيل فرنجية إلى مرشح سابق، سعى باسيل إلى تشكيل لوبي ضاغط، مسيحي وغير مسيحي لعلّه يتمكن من فرملة اندفاعة «الحزب» ويفرض مرشحه الثالث، كخيار أمر واقع.
لكنّ مبادرة جبران باسيل لم ترَ النور، وبقيت سلّة ترشيحاته حبراً على ورق. لم يجد آذاناً صاغية ولا من يمدّ له يد التعاون. حتى مع «القوات» حاول دغدغة مشاعر التعطيل تحت عنوان الميثاقية المسيحية لقطع الطريق أمام سليمان فرنجية لكنّ رئيس الحزب سمير جعجع سارع إلى وضع شروطه: إما ميشال معوّض وإمّا أبواب معراب لن تفتح أمام باسيل، مع العلم أنّ التنسيق بين الطرفين جارٍ على مستوى النواب، ولكن معضلة باسيل، كما مع بقية الأطراف بكونه «شخصاً غير مرغوب فيه».
وقد تكون ردّة فعل القوى السياسية تجاه مبادرة باسيل متوقّعة، لكن موقف نواب «تكتل لبنان القوي» هو ما يستدعي التوقف عنده. فقد حاول رئيس «التكتل» طرح فكرته على النواب والدفع بهم باتجاه تبنّي مرشح محدّد، لرسم حدود فاصلة بينه وبين «حزب الله»، من جهة، والدفع باتجاه تعزيز الخيار الثالث في الترشيحات من جهة ثانية، لكنّ عدداً لا بأس به من النواب العونيين تصدّوا لتلك الفكرة، تحت عنوان «الكنيسة القريبة ما بتشفي؟» بمعنى أنّه إذا كان باسيل يقرّ أنّ حظوظه معدومة فلماذا يقطع الطريق أمام ترشيح أحد النواب العونيين للترويج لخيار ثالث؟
يدرك باسيل جيداً أنّه إذا ما أصرّ على موقفه بطرح خيار ثالث وفرض على النواب الذهاب نحو وضع اسم لأحد مرشحيه على القصاصات الصغيرة، فحينها سيغامر بوحدة «التكتل». الأكيد أنّ «الطاشناق» لن يسايره، كما النائب محمد يحيى، وكذلك عدد من النواب العونيين. وعندها ستصعب عليه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ولحم ما انكسر.
بالنتيجة، باسيل زرك نفسه في الزاوية، لا بل في علبة مقفلة يصعب عليه الخروج منها. أما مبادرته في الخيار الثالث… فلا ثابت لها!