توقّف كثيرون عند المواقف التي أطلقها رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الاحد الفائت، وطرحوا تساؤلات حول أبعادها وخلفياتها والاهداف التي يرمي اليها منها، خصوصاانها جاءت بمثابة رسائل الى حلفائه والخصوم على حد سواء خَتمها بتلويحه بأنه يفكر جدياً في ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية.
يقول سياسيون متابعون لحراك باسيل منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون والى الآن، انّ الرجل، وتحديدا في مواقفه الاخيرة، أطلق قنابل في كل الاتجاهات وقطع الجسور مع الجميع، بحيث انه امّا عاد الى المدرسة التقليدية في «التيار الوطني الحر» التي اشتهر بخوضه المواجهات منفرداً عن اي حليف او صديق من دون تقدير ما ستؤول اليه الامور، وامّا انه صعد الى اعلى الشجرة وبات يحتاج الى من يساعده على النزول.
فباسيل، يقول هؤلاء، لم يتمكن من بناء جسر مع «القوات اللبنانية» تحت عنوان توحيد الصف المسيحي ازاء الاستحقاقات الماثلة، وفي مقدمها استحقاق رئاسة الجمهورية، على رغم محاولته الاستعانة بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي. كما انه لم يتمكن من ايصال مرشح ثالث لرئاسة الجمهورية، لأنه لم يلق تجاوباً لدى حلفائه ولا داخل «التيار الوطني الحر» كما انه لم يلق هذا التجاوب لدى غير الحلفاء ايضاً.
ولأنه لم ينجح في هاتين الخطوتين، يضيف هؤلاء السياسيون، اضطر الى ان يلعب ورقة ترشيحه شخصياً على الطاولة التي كان يؤخّرها الى ما بعد نجاحه في رفع العقوبات الاميركية عنه. ويبدو ان قوة الدفع التي يحظى بها ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية معطوفة على العوامل الاخرى جعلت باسيل يشعر بإرباك، فانطلق الى التعامل مع التطورات الجارية على قاعدة ردات الفعل، فطرحَ ورقة ترشيحه في توقيت اضطر اليه محاولاً إرباك حلفائه والخصوم، فهاجَم في اطلالته جميع خصومه في الحكومة وعلى رأسهم الرئيس نجيب ميقاتي، وخصومه على الحلبة الرئاسية وعلى رأسهم فرنجية، وأعطى لقائد الجيش العماد جوزف عون حيّزاً في هذا الهجوم ذهب فيه الى حدود اتهامه بالفساد بالنسبة الى ما يتعلق بالموازنة العسكرية وبالهبات التي يحصل عليها الجيش.
ويرى السياسيون إيّاهم انّ باسيل، بمهاجمته فرنجية من دون ان يسمّيه، انما اراد ان يُسمع المعنيين من حلفاء وغير حلفاء انه ما يزال على رفضه خيار رئيس تيار «المردة» لرئاسة الجمهورية، وفي السياق نفسه هاجم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فكان أن رمى حجراً ثقيلاً في بئر مياه غير راكدة أصلاً وهي مُشتعلة بفِعل جنون اسعار الدولار والضائقة المعيشية التي تزيدها اشتعالاً، فما بالك والجميع ينتظر اللقاء الرباعي او الخماسي الموعود في باريس الاثنين المقبل، والذي يجري تضخيم أبعاده ونتائجه قبل انعقاده عبر تكفّل البعض بالترويج لهذه الابعاد والنتائج بما يتجاوز حجمه وقدرته على الانتاج، خصوصاً انّ المملكة العربية السعودية ما تزال على مقاربتها الحَذِرة للملف اللبناني وترفض حتى الآن ايّ انخراط مباشر فيه، وتنأى بنفسها عن التمَوضع رئاسياً بطريقة تَنحاز فيها الى اي جهة وإن كان البعض يحاول ان ينسب اليها تأييدها لهذا المرشح الرئاسي او ذاك، علماً انّ فرنجية وجّه إليها من منبر البطريركية المارونية رسالة حميمة، ما يؤكد ان لا «فيتو» لديها عليه.
على انّ البعض قرأ في مواقف باسيل التي جاءت بعد اسبوع على لقائه مع موفدي «حزب الله» الحاج حسين خليل والحاج وفيق صفا رسالة مفادها ان الخلاف ما يزال قائماً، سواء تكرر اللقاء بين الجانبين أو مهّد للقاء بينه وبين الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله.
ويسأل هؤلاء السياسيون عمّا ستؤول اليه خيارات باسيل وأين سيكون تموضعه السياسي في حال خروجه من «تفاهم مار مخايل»، بعدما ثبت حتى الآن انّ امكانية التلاقي بين طرفَي التفاهم على دعم ترشيح فرنجية ما تزال غير مُتاحة بسبب رفض باسيل هذا الترشيح. ويؤكدون انّ خروج باسيل من التفاهم سيجعله وحيداً في الساحة السياسية، لأنه في حال ترشّح رسمياً لرئاسة الجمهورية فإنّ ترشيحه لن يلقى القبول الذي يتمناه.
وفيما برى البعض انّ باسيل في ما يقوم به «إنما يتدلّل او يحاول ان يجعل من كتلته «بيضة القبّان» في الاستحقاق الرئاسي»، فإنّ المُطّلعين على مسار التطورات يَرون انّ باسيل، بما يمثّل شخصياً وكتيار سياسي وكتلة نيابية كبيرة، ليس من السذاجة حتى لا يعرف الى اين سيكون المسار والمصير والى اين ستؤول الامور في النهاية، فإذا ظل متمسّكاً بالتفاهم مع الحزب (وعلى الارجح سيبقى كذلك) وفي الوقت نفسه لن ينتخب فرنجية، فإنه قد يلجأ في هذه الحال الى خيار تَرك حرية الانتخاب لأعضاء تكتل «لبنان القوي» الذين سيعمد عدد منهم لانتخاب فرنجية، فيكون في هذه الحال ساهَم بنحوٍ غير مباشر في فوز فرنجية، سواء من خلال الاقتراع او حتى من خلال حضور تكتله جلسة الانتخاب، والذي من شأنه ان يؤمّن مع حضور الآخرين نصاب اكثرية الثلثين (86 نائباً) لانعقادها بدورتيها الاولى والثانية.
وفي اي حال فإنّ كل المؤشرات تدل الى انّ الاستحقاق الرئاسي بدأ يقترب من الانجاز خلافاً لكل ما يُشاع عن انّ أوان إنجازه لم يحن بعد، وانه ما يزال ينتظر عدداً من المحطات الداخلية والخارجية سيتحدد مصيره في ضوئها.
ولكنّ الحراك الداخلي الجاري في شأنه، سواء عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري او رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط او البطريركية المارونية وآخرين من قوى سياسية وشخصيات بادَرت الى التواصل مع الجميع وفي غير اتجاه، يدلّ على حقيقة واحدة هي انّ الخارج يبدو هذه المرة غير مُكترث بدرجة عالية بهذا الاستحقاق.