يتعمّد النائب جبران باسيل الاستمرار في سياسة بيع الأوهام. فعلى هامش الخلاف مع «حزب الله»، وبموازاة عدم قدرته على التفلّت من الخطوط الحمر التي يفرضها هذا التحالف، يطلق باسيل بين الفينة والأخرى، مبادرات وهمية، لا تصلح لأن تكون مادة جدية، للقول إنّه بات في مرتبة المتحرر من نفوذ «الحزب»، وبالتالي بات قادراً على التصرّف كطرف مستقل، متضرر من سعي «الحزب» لفرض سليمان فرنجية رئيساً. وتبعاً لذلك لن يكون أحد جاهزاً كي يتعامل مع بالونات باسيل، إلا بعدم الجدية التي تستحق، طالما بقي في خانة الخوف من كسر الخطوط الحمر، وبالتالي طالما بقي أسيراً لا يستطيع التقدم إلى الأمام.
منذ لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي، وباسيل يوحي كأنّه اليتيم الساعي إلى التوافق المسيحي، الذي يلاقي الصد والنكران من القوى المسيحية الأخرى «التي لا تأبه لحقوق المسيحيين». وقد حاول تعزيز هذا الانطباع بعد إشادته أمس الأول ببيان القمة الروحية المسيحية، كأنّي به يقول، إنه الوحيد الجاهز للتوافق، وإنّ تحرره من «حزب الله» حقيقي ويمكن ترجمته إلى وقائع. لكن وبعد كل هذا المسار الوهمي لا يزال ينقصه اتخاذ بعض الخطوات العملية كي يقرن القول بالفعل، وهي خطوات لا يمكن أن يتجاوزها، لأن بقاءه في خانة الغموض والهروب، يعني أنّه لا يزال يرسم في مخيلته طموحاً رئاسياً، مُغلّفاً بالكثير من الغش طالما اتصف بانتهاجه.
لم تسعف باسيل الشجاعة كي يخرج من أجندة «حزب الله» الرئاسية، وهذا لا يكون الّا بتصويت كتلته في مجلس النواب على اسم موحّد أياً كان، وسوى ذلك لن يكون الّا مجرد اعتراض لا أفق له. أمّا اذا تابع الطريق إلى تسمية اسم واحد تتبناه كتلته، فسيكون إيذاناً عملياً برفض نهائي لفرنجية، وباستعداد على التفاوض حول تسوية. إلا الآن باسيل لم يجرؤ على تسمية أي اسم، وهذا يعني أنّه باق في منطقة نفوذ «الحزب»، وأنّه لن يفعل أكثر من رمي الشعارات والمواقف الخاوية، التي لا تصلح لأن تسمى مبادرة يطلقها مبادر مستقل القرار.
قام صهر الجنرال بنقلات مدروسة في الآونة الأخيرة، الهدف منها لجم التفلّت داخل كتلته الذي يتوسع باضطراد. نواب في الكتلة باتوا متوافقين على رفض إدارته لها وعلى ضرورة إتاحة الفرصة لأحدهم لأن يكون هو المرشح طالما أنّ حظوظ باسيل تساوي الصفر. لهذا عاجلهم «أنا أو لا أحد» بفتوى التهويل بترشحه للرئاسة، كي يقطع الطريق على أي منهم، كما تعمّد مهاجمة قائد الجيش العماد جوزاف عون كي يحرج نواب كتلته المؤيدين ضمناً لعون، وكي يرسم خطوطاً حمراً يتفاوض عليها في ما بعد.
سيُسأل جبران باسيل قريباً عن سبب عدم ايداعه لدى البطريرك بشارة الراعي، أي اسم للتفاوض، ما دام لا ينام الليل، كي ينتخب رئيساً يرضى عنه المسيحيون، وهو حتماً ليس لديه الجواب، ويمكن لـ»حزب الله» أن ينوب عنه بالقول للجميع: هذا ممنوع، ومن يحدد أجندة المعركة الرئاسية «حزب الله» وليس عون ولا باسيل.