IMLebanon

جبران يفكِّر …

 

في إطلالتهِ التلفزيونية الأخيرة يبشِّرنا النائب جبران باسيل بأنَّهُ أصبح يفكِّر… الآن أصبح يفكّر بالترشّح لرئاسة الجمهورية، ويقول: «إنّ المشهد مقلقٌ والجمهورية بلا رأس».

 

ومع هذا التفكير المتأخّر، يحـقُّ لنا أيضاً أنْ نفكّر، بأنّ الجمهورية أصبحت بلا رأس لأنّها كانت تَحكُم برأسين..؟

 

قبل أن يفكّر جبران بالترشّح، كان هناك تفكيرٌ إستباقي أعلنه الرئيس ميشال عـون ذات يـوم من أيام القصر الأخيرة حين قال: «لا أرى أحداً مؤهَّلاً للرئاسة فيما جبران غير مرشّح..».

 

هكذا، في القاموس العوني: إِنَّ كلَّ الأرحام المارونية أُصيبَتْ بالعُقْم، ولم يبقَ إلاّ جبران، خلقَـهُ اللُـه وكسرَ القالب.

 

بين الوجود الرئاسي واللاَّوجود، إهتدى المفكّر جبران إلى قـولٍ للفيلسوف الفرنسي «ديكارت» «أنا أفكّر، إذَنْ أنا موجود».

 

ولكنّ التفكير عند معظم الفلاسفة ينطلق من نشاط عقلي شامل، يتخطَّى الإنطواء الذاتي.. وإلاَّ فقد يتحوّل إلى تصوّرات وهميّة وأحلام.

 

وفلسفة التفكير عند كمال جنبلاط تتّخذُ معنىً آخـر، فهو قي كتابهِ (حوارات مع الصحافة – ص: 255) يدعو السياسيّين إلى أنْ يأكلوا الأعشاب ليتمكّنوا من التفكير الصحيح.

 

التسلّط الرئاسي الذي مارسهُ جبران باسيل في القصر الجمهوري، ولَّـد عنده هاجساً إحتكارياً رئاسياً تمثَّـلَ بنزعةِ رفضٍ لأيّ مرشَّح جدّي للرئاسة حتى ولو كان من التيّار الوطني نفسه.

 

هذا كان السبب الأبرز في فكِّ اتفاق «معراب»، وفي الإنقلاب على الحليف الحزبي، عندما لم يعد «تفاهم مار مخايل» يشكّل سلَّماً للوصول منْ «حيِّ السلّم» إلى حيِّ بعبدا.

 

الرسمُ الهندسي للانتخاب الرئاسي حدّدتْ فيه الريشةُ الجبرانيةُ حجمَ الخصوم ومستوى المنافسة، ووضْعَ خطّةٍ لحرب الإلغاء والإقصاء، فكان رئيس المردة سليمان فرنجية وقائد الجيش جوزف عـون هدفاً لحملةٍ من الإتهامات الساخرة، وكلّما ارتفعتْ حظوظُ أحدهما إرتفعت ضدَّه حدَّةُ المواجهة.

 

في تسجيل صوتي قال جبران: «لـنْ نسجّل على أنفسنا أننا انتخبنا واحداً مثل سليمان فرنجية…».

 

وفي مؤتمر صحافي قال: «إنّ قائد الجيش تحوم حولَـهُ الإتهاماتُ الوظيفيّة، والشبهات المالية».

 

هذا الأسلوب من الإتّهام الإقصائي تحلّلـهُ فلسفة الأحزاب النازيّـة والفاشيّة لتبرير القضاء العنفي على المعارضين…

 

وهذا النوع من التفكير النرجسي تفسّره فلسفة الأخلاق بأنّه محاولةٌ لإثبات الذات وإنكار وجود الآخر، وتأليهُ الذات في العلم السياسي يستنزف صاحبَـهُ حتى آخـرِ نقطةِ دمٍ سياسية.

 

أمّـا بعد .. فعلى أيِّ جمهوريـةٍ يريـد صاحبنا جبران باسيل أنْ يكون رئيساً..؟

وماذا بقيَ من الجمهورية والدولة والمؤسسات لأصحاب الفخامات..؟

 

وماذا بقيَ للشعب من حياةٍ، بعد عهـدٍ من الجفاف والسنوات العجاف..؟

أفَمَا أصبح الكرسي الرئاسي أشبهَ بالكرسيّ الكهربائي…؟

 

ثـمَّ بعد… بالرغم من أن ترشُّح جبران يشبـهُ سهماً ناريّاً ينطلق في الفضاء ثـمّ ينطفئ، فلا بدّ معَـهُ من القول:

ولَـوْ كان سهْماً واحداً لاحْتَملْتُهُ ولكنّهُ سهمٌ وثـانٍ وثالثُ.