IMLebanon

كفاءات جبران باسيل الرئاسية

 

نظام التفاهة (9)

 

المعيار الأساسي الذي اعتمده آلان دونو في كتابه الذي اقتبسنا عنوانه لهذه السلسلة من المقالات هو وباء نقص الكفاءة الذي أصاب أنظمة الحكم في العالم المعاصر، حيث بتنا لا نرى أشخاصاً من قامات لنكولن وغاندي وتشرشل وديغول وعبد الناصر وفؤاد شهاب، وأخذت تتردى «مساطر» الحكام وتنحدر نحو عيدي أمين ومعمر القذافي. أمّا في لبنان، فمن القاع الذي بلغته رئاسة ميشال عون ينبري صهره ويستقتل لترشيح نفسه للرئاسة.

 

وضعوا رسمه على وسائل التواصل وكتبوا، للتعريف به، العبارة التالية: المرشح التوافقي جبران باسيل: «علقان مع الكتائب، الأحرار، الرئيس نبيه ىبري، المردة؛ علقان مع عديله ومع سلفتو ومع نعمة فرام وميشال معوض؛ وعلقان مع زياد أسود ومع ماريو عون؛ وعلقان مع التيار».

 

قائمة «علقاته» تطول، وقائمة ألقابه كذلك. أيمن جزيني أفضل من أحصاها في مقالة مسهبة، «قوم بوس تيريز» منحه إياه سمير جعجع،، زوربا اليوناني من وليد جنبلاط، راسبوتين الجمهورية من يوسف بزي، وألقاب أخرى مجهولة المصدر، منها ذراع العهد الأيمن، رجل العهد الأول، الصهر المعجزة، معطل تشكيل الحكومات، عاشق التصريحات وكاره الإعلام والإعلاميين، ومنها نشيد الثورة الباسيلي الشهير، «الهيلا هو».

 

كلها ألقاب تسخر من انعدام كفاءته، ولن يزعجه أبداً تذكيره بحكاية خروتشوف خلال تجواله في المتحف الملكي البريطاني! سأل عمن يقف إلى جانب الملكة في أكثر الصور، وحين قيل له إنه زوجها، كان تعليقه، هو زوجها في الليل، وماذا يعمل في النهار؟ طبعاً «بلا قياس وتشبيه» باستثناء مصاهرة جبران للرئيس، ماذا تكون كفاءته النهارية؟

 

صحيح أنّه من خريجي الجامعة الأميركية في بيروت. هذا يعني أنه متعلم يحمل شهادة، وليس مثقفاً لأن شرط المتعلم لكي يصير مثقفاً، بحسب جان بول سارتر «أن يتدخل في ما لا يعنيه» أي أن يهتم، إلى جانب اختصاصه، بالشأن العام، غير أنّ باسيل أنزل الشرط من بلاغة سارتر إلى تفاهة التأويل. عبارة سارتر تعني أن حامل الشهادة الدراسية أو الجامعية لا يصير مثقفاً إلا إذا صار من الأنتلليجنسيا مسلحاً بالقيم النضالية كالتضحية ونكران الذات والصدق وبُعد النظر، قادراً على توظيف علمه ومعرفته بما يساعد على تطوير مجتمعه، ولا سيما في المجال السياسي.

 

جبران تدخل في ما لا يعنيه، بالمعنى المغلوط لعبارة سارتر. تدخل في ما يجهله وفاقد الشيء لا يعطيه. بنى سدوداً لا تتجمع فيها مياه؛ أفرغ وزارة الطاقة من الطاقة فعمم العتمة ثم أورثها لأتباعه فبدد المال العام؛ تولى وزارة الخارجية فلوث تراثاً عريقاً يمتد من يوسف سالم حتى فؤاد بطرس مروراً بشارل مالك وغسان تويني وآخرين، واستولى على رئاسة «التيار» بوجود من يفوقه كفاءة في كل المجالات الإدارية والسياسية ولا سيما الأخلاقية.

 

حكايته مع عروض تمويل الكهرباء فضيحة. رفض العرض الكويتي وعرض سيمنز وعرض البنك الإسلامي، واستطاب الإقامة في وزارة الطاقة حتى بعدما صار وزير الخارجية والانتشار، فكان ينطلق من قصر بسترس إلى تدشين محول كهربائي في طرابلس، ويتكهرب عند ذكر أي اسم من منافسيه على الرئاسة.

 

نظام التفاهة بلغ ذروته مع العهد وصهره، لم يشعر اللبنانيون إلا وملكهم في دمار، رحم الله الشاعر أحمد شوقي. لكن الثورة فرضت عداً عكسياً حين راحت تقدم قائمة الكفاءات اللبنانية في العلم والطب والفن والتجارة والصناعة والسياحة والرياضة وفي كل مجالات الإبداع البشري، وهم الذين سيعيدون صورة لبنان درة الشرق إلى بهائها.