كلّ المؤشرات التي أطلقها جبران باسيل، تدلّ على أنّه بصدد إحراق مراكبه مع «حزب الله». هو يدرك تماماً أنّ تناول الأمين العام لـ»حزب الله» بشكل مباشر من على المنابر، دونه تبعات سلبية على العلاقة. فعلها في المرّة الأولى، وعاد ليعتذر. وها هو على مرأى من رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، ومسمعه، يصوّب على السيد حسن نصر الله بالمباشر. ويقول بالفمّ الملآن: «يللي بدو دولة واصلاح، بالقوة يللي عنده، بدل ما يستعملها على الغرب، يستعملها شوي على واحد متل رياض سلامة».
الأرجح أنّ الأسباب التي تدفع باسيل إلى اعتماد سياسة الأرض المحروقة، أو بالأحرى « التفاهم المحروق»، كثيرة ومتعددة الجوانب تبدأ بمفاعيل انتخاب رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية رئيساً على نفوذه السياسي وحضوره الشعبي، ولا تنتهي بمحاولاته الدائمة لرفع اسمه عن لائحة العقوبات الأميركية، وهي تملي عليه خوض معاركه الأخيرة قبل حسم الرئاسة الأولى، على قاعدة حيّاً أو ميتاً. أو بالأحرى صولد، إما يربح كلّ شيء وإما يخسر كلّ شيء.
ولهذا يواظب على اعتماد سياسة التصعيد المتدحرج، لا يترك للرجعة أي خطّ. في حالة تصويب دائم على حليف السنوات الـ17، أي «حزب الله»، ما قد يجعلهما على ضفّتين متقابلتين. والأرجح أنّهما صارا كذلك. أمّا آخر مسببات هذا «الانقلاب»، فهو تيقّنه من أنّ «حزب الله» انخرط على نحو أكثر جدية في معركة سليمان فرنجية لدرجة العمل على تأمين 65 صوتاً، وبالتالي انتخابه فور تأمين هذه العتبة، ما يعني بقاء جبران باسيل خارج هذه المعادلة. ماذا يعني هذا الكلام؟
مذ فاتح الأمين العام لـ»حزب الله» رئيس «التيار الوطني الحر» بالاستحقاق الرئاسي لجهة رغبة «الحزب» بانتخاب فرنجية رئيساً، كان جواب باسيل الرفض المطلق، المرفق دوماً بسؤال عن موقف «الحزب» من سلبيته، بمعنى آخر: هل سيحترم «حزب الله» رفض باسيل لخيار فرنجية، ليبحث عن خيار ثالث كما يريد الأول؟
تحت عنوان الميثاقية والشراكة، يلمّح رئيس «التيار الوطني الحر» دوماً في إطلالاته الاعلامية إلى أنّ «رئيس الجمهورية منختاره بقناعتنا، وما حدا بيفرضه علينا»، ويقول «ضرب جنون، وطني وسياسي، انّو حدا يفكّر بانتخاب رئيس جمهورية من دون المسيحيين، وموقف وطني مسؤول ليلّي عم يرفض يتخطّاهم، ويعوّل عليه لبناء حياة مشتركة ومتشاركة بقلب الجبل». وهو كلام يصيب مباشرة «حزب الله» كون باسيل لم يحجز الإجابة التي يسعى إليها.
أكثر من مرّة، حاول رئيس «التيار الوطني الحر» أن يسحب من قيادة «الحزب» جواباً مطمئناً حول سلوك حليفه في الاستحقاق الرئاسي اذا ما بقي الخلاف حكماً بينهما: هل سيكون ركناً أساسياً في تفاهم يأتي برئيس، وتحديداً فرنجية، من دونه؟
بالنسبة لباسيل لا يمكن «للحزب» أن يفعلها، ولهذا تقصّد أكثر من مرة التلميح إلى أنّ مصير «تفاهم مار مخايل» على محكّ هذه الخطوة بحجة أنّه قائم على الشراكة، واذا ما قرر «الحزب» انتخاب رئيس بلا موافقة حليفه المسيحي، فهذا يشكل بنظره ضرباً للشراكة.
حتى أيام خلت، ظلّ باسيل يراهن على معارضته انتخاب فرنجية، وفي باله أنّ «الحزب» سيحترم هذه المعارضة وسيقف عندها لكي لا يخطو باتجاه الدفع نحو تأمين أغلبية 65 صوتاً تجعل من رئيس «تيار المردة» رئيساً للجمهورية. ولكن يبدو أنّ رهانات باسيل لم تعد في محلها بعدما بلغ الخلاف بين الحليفين حدّ إعلان نصر الله أنّ التفاهم بات في وضع حرج، لكي لا يقول بشكل واضح إنّه أنهى مخدوميته وأحيل إلى التقاعد!
يوم الخميس الماضي، وخلال العشاء السنوي التقيلدي الذي يقيمه «تيار المردة» لمناسبة خميس السكارى، قال فرنجية: «الدستور قد وُضع بطريقة حكيمة فالميثاقية هي أن تكون كل طائفة ممثلة وبالتالي فإنّ الرئيس المنتخب بـ65 صوتاً وبحضور 86 نائباً هو رئيس شرعي وميثاقي». ولهذا الكلام رمزيته لا في هذا التوقيت بالذات، فهو فعلياً، يؤشر إلى نيّة حلفائه الدفع على نحو جدي باتجاه العمل على تأمين 65 صوتاً، من دون جبران باسيل، واذا ما تأمّنت يُفتح باب البرلمان لجلسة انتخابية قد تكون حاسمة.
ويبدو أنّ أصداء نقاشات الاجتماع الذي عقد منذ أيام عند رئيس مجلس النواب نبيه بري وضمّ الحاج حسين خليل وفرنجية، قد بلغت مسامع باسيل، حيث تفيد المعلومات أنّ المجتمعين اتفقوا على تكثيف الجهود لتأمين 65 صوتاً طالما أنّ أبواب التفاهم مع باسيل، مقفلة بإحكام رغم كلّ المحاولات التي قادها «الحزب»، وقد أبلغ الأخير أنّه غير ممانع لهذا السيناريو، وقد يكون الخيار الوحيد المتاح نظراً لممانعة باسيل ورفضه فتح باب التفاوض ازاء ترشيح فرنجية.
في الواقع، هي المرّة الأولى التي يوضع فيها سيناريو الـ65 صوتاً، بما يعني ذلك استبعاد المكوّن الباسيلي، على طاولة النقاش الجدي بين ثلاثي بري- فرنجية- «حزب الله». كما أنّها المرة الأولى التي يقول فيها «الحزب» إنّه تجاوز تأييد جبران باسيل خصوصاً وأنّ الأخير كان يعتبر أنّ موافقته هي الورقة الأخيرة التي يفاوض عبرها «الحزب» على طريقة «التفاهم أو سليمان»، أو بالأحرى «أنا أو سليمان»، ولطالما اعتبر أنّ بطاقة شراكته الرئاسية، هي ورقة «المليون»… ويبدو أنّ الحزب» بصدد التخلي عنها بعدما تأكد له أنّ رئيس «التيار الوطني الحر» قفز إلى ضفّة أخرى. والأرجح أنّ هذه الخلاصة، هي التي دفعت الأخير إلى التصعيد في كلّ الاتجاهات.