يقع المرء أحياناً في حيرة أمام بعض المواقف، وخصوصاً إذا كان الموقف متعلقاً بشخص لا يملك الحدّ الأدنى من مقوّمات النجاح في مسيرته… إذ ذاك يجد الانسان نفسه أمام شخصيّة غريبة عجيبة، قد لا ينفع الكلام معها، ولا يجدي التوجه إليها ولو بنصيحة ولو كانت النصيحة صادقة. ورغم هذا كله أجد نفسي مدفوعاً الى توجيه هذه الرسالة الهادئة ولو كنت مقتنعاً تمام الاقتناع انها موجهة الى «ولد أحمق»… وصمّمت أن تكون رسالتي إليه هادئة بعيدة عن الانفعال.
قبل البدء برسالتي «الهادئة»، أذكر ما يلي:
أولاً: قبل شهر من إطفاء الشمعة الـ17 من عمر «تفاهم مار مخايل»، يبدو أن هذا الاتفاق بات منتهياً.. فالرسائل المتبادلة علناً بين امين عام حزب الله وجبران باسيل رئيس التيار الوطني الحرّ دليل على ذلك.
ثانياً: يعود سبب الافتراق الحقيقي الى عنوانين أساسيّين هما: سليمان فرنجية ونجيب ميقاتي. فقد أصبح معلوماً أنّ باسيل يسعى الى إسقاط الاسمين، وأنّ الحزب -على ما يبدو- يتمسّك بسليمان فرنجية.
ثالثاً: لقد تلقفت أوساط التيار رسالة غير مريحة وجهها نصرالله في خطابه الأخير، بحضور النائب المقرّب من باسيل غسان عطاالله، معلناً أنه يرفض الابتزاز بالغطاء المسيحي واصفاً نفسه في حلّ من «التفاهم» إذا أراد التيار ذلك.
رابعاً: انعكست الحملة السياسية الهجومية التي يقودها جبران باسيل ضد قائد الجيش جوزيف عون سلباً عليه وحتى داخل تياره.
لقد تمادى باسيل في تصريحاته حتى انه تجاوز السقف العالي، ما زاد الأمر تأزماً. فقد أعلن حرباً واسعة النطاق على معظم المعنيين بالملف من حلفائه وحلفاء الحلفاء قبل الخصوم. كما ان رئيس التيار الوطني الحرّ فقد ثقة الناس به… إذ هو يأخذ رأياً في الليل ويتراجع عنه في النهار.
إنّ باسيل «ملأ» الدنيا صراخاً، يطالب بالاصلاح ومحاربة الفساد وهو الرجل الذي نخر الفساد مسيرة حياته كلها، فلم يعد أحد يصدّقه عملاً بما يقال: «من جرّب المجرّب كان عقله مخرّباً».
باسيل إنسان فاشل في كل ما أوكل إليه من مهمات.. بل هو كان يتنقل دائماً من فشل الى فشل. ولنبدأ بالأدلة:
أولاً: عندما تسلم باسيل وزارة الاتصالات لم يترك الوزارة إلاّ بعد فضيحة.
أ- لقد رفض التعاون التقني مع الأجهزة الأمنية لأن وقوفه دون تزويدها بالمعلومات المطلوبة في جريمة استهداف الباص الاول في طرابلس حيث وقع للجيش اللبناني عدد من الشهداء.
ب- لقد اتبع سياسة الفساد في وزارة الاتصالات في عهده إما بالسرقة الموصوفة وإما بسوء إدارة المال العام. كما أبرم عقوداً كانت قد رست على شركات وتمّ لاحقاً فسخها وذهبت لشركات أخرى بقيمة أعلى!!!
ج- ملف التوظيف في وزارة الاتصالات وكم كلف هؤلاء المحازبون للتيار من أموال؟ وهنا أتساءل: لماذا أصرّ باسيل على إنزال 800 ألف خط خلوي جديد الى السوق اللبنانية في عهده؟ وذلك في حملة التباهي بإنجازات الوزارة.
وعلى أرض الواقع، وبعد إنزال الأرقام الخلوية التي تبدأ بالرمز 70 في مرحلة سابقة… عمد وزير الاتصالات جبران باسيل يومذاك الى إنزال الارقام التي تبدأ بالرمزين 71 (لشركة MTC) و72 لشركة ألفاً. وتعود الفائدة المالية إليه.
وهنا بعض التفاصيل:
أحد الاشخاص الذي يعمل في مجال الاتصالات الخلوية ويدعى إدي عازار اشترى رقماً مميزاً هو 71/111115 والشخص المذكور مقرّب من باسيل.
ثانياً: عندما تسلّم باسيل وزارة الطاقة، أقسم على إنهاك الوزارة وإنهائها… فقد فُقدت الكهرباء حتى وصلت في عهده وعهد سكرتيره سيزار أبي خليل وسكرتيرة سيزار ندى بستاني وسكرتير ندى ريمون غجر الى صفر تغذية… والوزارة كبّدت الدولة اللبنانية 65 مليار دولار كدين عام ولا كهرباء.
ثالثاً: عندما تسلم وزارة الخارجية، كانت له اليد الطولى في قطع علاقات لبنان بمحيطه العربي وبدول الخليج بخاصة ودول العالم عموماً.
أعود هنا موجهاً رسالة الى الولد الأحمق، عبر هذا المقال الذي أضعه أمام الرأي العام فأقول:
جبران باسيل إما إنسان غبي، عكس ما يتصوّره الآخرون إنه أعمى البصيرة يسعى بأي ثمن لتأمين وصوله الى قصر بعبدا، وهو يدرك خطورة ما يقوم به. وهو قد يكون منفذاً لأجندة خارجية تستهدف إحراق لبنان وإعادة عقارب الساعة الى الوراء.
ما يجب أن نسلّم به هو ان الاداء الذي قدّمه ويقدّمه جبران باسيل في السياسة جديد على الحياة العامة. انه مستفز وعنصري… يصرّح بالانفتاح ويمارس الانغلاق… يؤكد على علمانيته ويكرّس طائفية بغيضة يدغدغ بها عقول مناصريه. في كل قضية له إصبع وفي كل ملف له ورقة رغم انه فشل في كل الملفات التي أمسك بها من وزارة الاتصالات الى وزارة الطاقة وانتهاء بوزارة الخارجية كما ذكرنا.
خسر الانتخابات النيابية مرتين والبلدية مرّة واحدة.. ولم يفز إلاّ بعد وضع قانون انتخابي هجين على قياسه.
إنّ المشكلة الأساسية التي ابتلى الله بها لبنان هي ان باسيل هو صهر رئيس الجمهورية السابق ميشال عون.
تهجّم باسيل على فرنجية واتهمه بالانتماء الى منظومة الفساد، جاء ليزيح فرنجية من طريقه الى الرئاسة.. لعلّ وعسى. وتهجمه على رياض سلامة حاكم البنك المركزي الذي تحمّل في تثبيت سعر الليرة أمام الدولار ما لم يتحمّله إنسان، هو لإزاحته من طريقه الى الرئاسة… لعلّ وعسى.. وتهجمه على قائد الجيش «الآدمي» الوطني المخلص لإزاحته من طريقه الى الرئاسة باتهامه بتجاوز الصلاحيات الممنوحة له وفساد في إدارة المساعدات المخصّصة للجيش… لعلّ وعسى.
يقول باسيل: لا نريد رئيساً يأتي على رأس دبابة إسرائيلية، ونحن معه… كما يؤكد انه لا يريد رئيساً «طرطوراً» ونحن معه كذلك… يهاجم ميقاتي لأنه إنسان ناجح في حياته العملية وقد تسبّب له بعقدة نفسية لأنه فاشل فاشل، ولأنه لم يعطه اثني عشر وزيراً عند محاولة تشكيل الحكومة.
باختصار شديد… لقد عُرف جبران باسيل بإثارته للجدل… وهو اليوم يحاول وبكل ما أوتي من قوة القضاء على لبنان.. وباسيل كان ومنذ إطلالاته الرسمية على السياسة اللبنانية في العام 2005، حريصاً على أن يقول إنه النظيف في حين ان الآخرين فاسدون.. ولكن شيئاً فشيئاً ظهر فساده وبعده عن الاصلاح من خلال محاربته المنظومة بشكل كامل وتعطيل حكومات لأشهر وسنوات، وأرسى علاقات مع طبقة رجال أعمال تحوم شكوك كبيرة حول ثرواتهم وأتى ببعضهم الى «التيار» وأدخلهم الى الوزارات والمجالس النيابية.
والمسؤولية الأولى تقع على الرئيس السابق ميشال عون الذي دعم صهره المدلل بكل ما يلزم وما لا يلزم… وللتذكير فقط أقول إنّ « عون» هرب من قصر بعبدا بالبيجاما متخلياً عن زوجته وبناته الثلاث. فهل يكون مصير باسيل حزيناً ونهايته أشد تعاسة… وهل يعي باسيل ان عمّه كان وعد اللبنانيين بجهنم ووفى بوعده؟