Site icon IMLebanon

المقاطعة… سلاح العونيين الأخير؟

 

يقف جبران باسيل على المنبر موجّهاً سهام التصويب المباشر تجاه «حزب الله» وأمينه العام. ويجلس العماد ميشال عون قبالته مبتسماً، لا بل مصفّقاً، ليس فقط لإعجابه بما يقوله وريثه السياسي، لا بل لكونه يؤدي المهمة على أكمل وجه.

 

خلال هذه المرحلة المفصلية في مسار باسيل ومسيرته، يلعب رئيس الجمهورية السابق دوراً بالغ الأهمية في رسم خيارات رئيس «التيار الوطني الحر». هي اللعبة الأحب على قلب «الجنرال»: السير على حافة الهاوية. الرهان بكلّ شيء على كلّ شيء. وهنا يبدو باسيل تلميذاً نجيباً. قد تكلفه تلك المخاطرة التضحية بما جناه في عمره السياسي، لكن الحصار الذي يطوّقه، يستحق بنظره تلك المغامرة.

فعلاً، جبران باسيل في وحدة تامة. حتى الإبقاء على متانة «تكتل لبنان القوي» غير مضمون، والأرجح أنّ التهديد بقلب الطاولة هو خشبة خلاصه المتاحة بعدما استنفد كلّ الأوراق التي كانت بين يديه. قد لا يقرّ، لكنّه في حالة تخبّط وجودي بعدما سدّت كلّ الطرق بوجهه. وها هو يلجأ إلى آخر الوسائل المتوفرة لضرب الترشيحات الجدية لرئاسة الجمهورية أي قائد الجيش العماد جوزاف عون ورئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، علّه ينجح في فرض مرشّح، يكون هو رئيسه.

 

ولهذا يستخدم أسلوب التصعيد المتدحرج، وفي باله هدفان اثنان:

 

أولاً، السعي إلى تعقيد المشهدية الرئاسية والعمل على محاصرة مشروع الثنائي الشيعي وتعطيل ترشيح فرنجية، ومغازلة المعارضة وتحديداً «القوات» لاستخدام عصا التعطيل وانتزاع ورقة الميثاقية المسيحية.

 

ثانياً، إمساك الوضع الحزبي الداخلي لشدّ العصب وإقفال منافذ التسرّب من خلال حصرّ الخيارات، بخيار المرشح الثالث الذي لا يزال قيد البحث عنه، مع العلم أنّ ضبط «التكتل» صار صعباً، وها هو نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب يعود ويكرر علناً أنّ «البعض لن يعجبهم هذا الكلام، لكن واقعياً الإسم الحقيقي والمتقدم بشكل أكبر بالسباق على الرئاسة، هو رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية»، مشيراً بشأن تصويته لفرنجية في حال حاجته لصوت واحد فقط، إلى أنّ «كل شيء وارد»، لافتاً إلى أنّ «هناك حملة ضدي لانني قلت انتخب فرنجية اذا كان بحاجة الى صوتي، للفوز برئاسة الجمهورية، ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل يعرف مواقفي وكيفية عملي».

 

 

لا يزال حتى الساعة مقتنعاً أنّ الوقت قد يكون لمصلحته، لهذا يستخدم سياسة «الأرض المحروقة» عسى الوقت يعيده مرشّحاً أساسياً، فيعيد تموضع تحالفاته على هذا الأساس. منذ ما قبل انتهاء عهد الرئيس عون، حاول باسيل فتح الأبواب المغلقة علّه يجد آذاناً صاغية، لكن الأطراف السياسية تعاطت معه على قاعدة أنّ «ورقته محروقة»، وبمجرد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، سينتقل إلى الصفوف الخلفية بعدما كان حاكماً بأمر رئاسة الجمهورية، وأمر تفاهمات عابرة للجبهات.

 

ضمن هذه الروحية، وهذا السرد لوضعية باسيل، يُطرح استخدام ورقة التعطيل الميثاقية، الذي يلمّح إليه بعض النواب العونيين. في الواقع، يمكن اللجوء إلى هذا السلاح خلال الجلسة الثانية، بمعنى أنّ كلّ الأطراف تحاذر إلى الآن الامتناع عن المشاركة في الجلسات الانتخابية وتترك لعبة فرط النصاب إلى الجلسة الثانية. وهذا يعني أنّه في حال قرر «تكتل لبنان القوي» اللجوء إلى خيار التعطيل فسيكون بعد المشاركة في الجلسة الأولى.

 

مؤيدو المقاطعة

 

وفق مؤيدي هذا الخيار، فإنّ «التيار» اذا فعلها يكون مكرهاً لا بطلاً، كونه آخر الدواء، ذلك «لأنّ نصاب الـ86 نائباً لانتخاب الرئيس هو شرط للتوافق وبالتالي إنّ انتخاب رئيس أمر واقع بـ65 صوتاً كما يهدد الثنائي الشيعي، يعني أنّ ثمة فريقاً يسعى لفرض رئيس للجمهورية على المسيحيين، ما يعطي التكتل حق التعطيل لحماية هذا الموقع. واذا لم نكن أصحاب رأي بهذا الاستحقاق فبأي استحقاق نعطي رأينا؟».

 

ويرى هؤلاء أنّ «المقاطعة قد تكون مصلحة مشتركة مع المعارضة التي سيكون عليها آجلاً أم آجلاً أن تفتح باب الحوار معنا بهذا الخصوص»، مشيرين إلى أنّه في حال حصلت تسوية على انتخاب فرنجية رئيساً بـ65 صوتاً، «فليأتوا بالميثاقية من عند غيرنا».

 

ولكن هذه القراءة لا تحجب وجود عقبات قد تحول دون استخدام هذا السلاح، مع العلم أنّ «تكتل لبنان القوي» لم يناقش هذه المسألة بين مكوّناته، التي قد تواجَه باعتراض بعض النواب العونيين، لاعتبارات عديدة أهمها، أنّ هذا السلوك يبرر للمقاطعين فعلتهم وبأنّ ما يقومون به هو ورقة ضغط متاحة من باب تغيير قواعد اللعبة، فيما المعارضة تطالب راهناً بفتح باب المجلس 24/24 بغية تسريع العملية الانتخابية فكيف يمكنها الانتقال إلى التعطيل، بدليل أنّ رئيس حزب «القوات» سمير جعجع قال منذ أيام أنّ التعطيل سببه الفريق الآخر الذي يعرقل الجلسات المفتوحة لانتخاب رئيس حسب الأصول والتصويت لمرشح من «الموجودين».

 

لكن الأهم هو السؤال عن الهدف من المقاطعة؟ اذ أنّ العونيين قاطعوا بين العامين 2014 و2016 بهدف ايصال العماد عون إلى الرئاسة، فيما اليوم لا مرشح واضحاً يعملون على تعزيز حظوظه. فبأي هدف سيقاطعون؟ ولمصلحة من؟ وكيف ستُثتثمر هذه الخطوة؟

 

بالنتيجة، إنّ تأمين النصاب القانوني لأي مرشح، سيكون نتيجة تسوية اقليمية، وأقله «عدم ممانعة» دولية في تكرار لمشهدية انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، وهي تسمح بـ»تهريب» النصاب. وبذلك يكون مشروع باسيل «التعطيلي» غير ذي شأن، أو أشبه بزوبعة في فنجان، خصوصاً اذا حصلت تلك التسوية.

 

ولعل هذا الاعتبار هو الذي يقلل من حماسة بعض نواب «تكتل لبنان القوي» للترويج للمقاطعة خصوصاً اذا أصر باسيل على فعلها لأنّها ستُحرج بعض هؤلاء ممن قد يصوتون لفرنجية، فيما المشاركة في الجلسة من جانب «التكتل» ستضيّع «شنكاش» التصويت…