يملك كل من «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» روايته او مطالعته السياسية المتكاملة لمسار العلاقة بينهما منذ نشأتها، وللأسباب التي أوصلتها إلى ما تعانيه حالياً من «وضع حرج». فماذا عن الطرح البرتقالي؟
بطبيعة الحال، فإنّ قراءتي الجانبين تفضيان تلقائياً إلى استنتاجات متباينة، تبعاً لاختلاف زاوية الرؤية وكذلك لتفاوت أداة القياس المعتمدة في تحديد الصواب والخطأ.
واللافت، انّ الافتراق المستجد، بعد رفقة درب طويلة، أدّى إلى إنتاج واقع جديد على مستوى النظرة الى الآخر والتخاطب المتبادل، الأمر الذي لم يكن مألوفاً لدى قيادتي الطرفين وقواعدهما، وهذه تبدو جزءاً من عوارض المرحلة الانتقالية التي يمرّ فيها «تفاهم مار مخايل» عقب سنوات من الاستقرار النسبي.
ولم يعد خافياً انّ العلاقة المترنحة بقوة تقيم حالياً على «فالق بعبدا» المتحرك، الذي يعكس انقساماً حاداً في مقاربة استحقاق رئاسة الجمهورية، ويولّد هزات سياسية متفاوتة الدرجات، تارة في الملف الحكومي وطوراً في الملف التشريعي.
ولئن كان «حزب الله» يستغرب ان يستسهل «التيار الحر» التفريط بآخر حلفائه، بحيث يكاد لا يبقى له «صاحب»، يستشهد رئيس التيار النائب جبران باسيل، في معرض تعليقه على الأمر، بقول الإمام علي بن أبي طالب: «يا أيها الحق لم تترك لي صاحباً».
ووفق المحيطين بباسيل، فهو يلاحظ انّ هناك نوعاً من الحساسية المفرطة في التعاطي مع مواقفه التي يدعو إلى وضعها في سياقها السياسي الطبيعي، بعيداً من التحسس الزائد.
ويشير المطلعون على موقف باسيل، إلى اقتناعه بأنّه وكما يحصل احياناً ان يختلف مع البطريرك الماروني حول شأن سياسي على قاعدة حق كل منهما في أن تكون له مقاربته المتمايزة في بعض الأوقات، فإنّ المعيار نفسه ينطبق، في رأيه، على العلاقة مع «حزب الله»، «إذ من الطبيعي ان نناقش احياناً في السياسة فكرة تصدر عن السيد حسن نصرالله، من دون أن يكون لذلك اي علاقة بمبدأ الاحترام المتبادل والثابت».
وتبعاً للقريبين من باسيل، فهو يعتبر أن ليس المطلوب من «حزب الله» أن يواجه الفاسدين والمرتكبين بالسلاح والقوة، «بل فقط بالموقف القاطع وبالمشروع السياسي الحازم».
ويوضح هؤلاء، انّ ما قصده باسيل في كلامه الاخير هو انّ مواجهة الأدوات التي تساهم في زرع الفوضى، كحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تبقى أسهل وأقل كلفة من خيارات أخرى، «لأنّه في مثل هذه الحالة تحتاج فقط إلى استخدام الكلمة وليس الصاروخ».
ويلفت العارفون، إلى أنّ باسيل يفترض انّ التصدّي لمحاولات إغراق لبنان في الفوضى والانهيار يتطلب من الحزب والآخرين الانخراط الجدّي في مشروع الإصلاح الذي تظلّ فاتورته اقل من فاتورة ترك الأدوات تعبث في الداخل.
ويشير المتواصلون مع باسيل إلى انّه يتفهم خصوصية الواقع الشيعي وحرص الحزب على مراعاته، إلّا انّ ما لا يستطيع تفهمّه ان تشمل معادلة المراعاة أيضاً الرئيس نجيب ميقاتي ورياض سلامة.
وينقل المحيطون بباسيل عنه تأكيده انّ مصير «التفاهم» هو في يد «حزب الله» الذي بمقدوره ان ينهيه او ينقذه، تبعاً لنمط تصرفه، معتبراً انّ المشكلة الحالية تزول بمجرد ان يعود الحزب كما كان، «وإن عدتم اليه (جوهر التفاهم) عدنا».
ووفق المطلعين، ينفي باسيل ان يكون التحالف مع الحزب قد أصبح عبئاً عليه وانّه يجد الفرصة سانحة الآن للتخلص منه، «ولو انّ الامر على هذا النحو لكان الأفضل لي أن انسحب قبل إدراجي على لائحة العقوبات الأميركية، إذ كنا على الاقل قد قبضنا حق الانسحاب وتفادينا العقوبات، ولكننا لا نتعامل مع الخيارات الوطنية وفق قاعدة البيع والشراء، وانا فضّلت ان أدفع ثمن قناعتي بدل ان اقبض ثمنها». حسب ما ينقل عنه اللصيقون به.
ويلفت العارفون إلى أنّ باسيل يقرّ بأنّ السيد نصرالله كان من اشدّ الحريصين على حماية التفاهم معه، ولكنه يتوقف كذلك عند تجربته كوزير للخارجية «حين كنت أيضاً من المتصدّين في أصعب الظروف لمحاولة تصنيف الحزب ارهابياً في عدد من المحافل العربية والدولية، لاقتناعي بخطورة هذا التصنيف وعدم مشروعيته». ويشير هؤلاء إلى انّ الخلاف حول الاستحقاق الرئاسي يشكّل أحد التحدّيات الصعبة التي تواجه علاقة التيار مع الحزب، ناقلين عن باسيل تحذيره من انّ «الإصرار على دعم سليمان فرنجية مؤداه العودة إلى حقبة التسعينات بمعادلاتها التي أوصلتنا إلى هنا»، كاشفاً انّ في جعبته «اكثر من اسم لا يوجع رأس الحزب، ويستطيع في الوقت نفسه ان يخفف اوجاع البلد»، الّا انّه لا يجد جدوى من طرح البدائل الجدّية قبل إيجاد بيئة ملائمة لتلقفها، وفق ما يُنسب اليه.