لا يزال رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل عند موقفه: لا لسليمان فرنجية، لألف اعتبار واعتبار. لم يبدلّ إعلان الثنائي الشيعي، وتحديداً «حزب الله» دعمه الواضح والصريح لرئيس «تيار المردة» من موقف وزير الخارجية السابق، ولم يدفعه التبني العلني لكي يعيد حساباته. لا بل يواظب على ترميم العلاقة مع كلّ خصوم فرنجية، وتحديداً المسيحيين منهم، من خلال قنوات الكنيسة وبكركي، للاتفاق على مرشح ثالث من شأنه أن يعطّل ميثاقياً ترشيح القطب الزغرتاوي.
وفي ذكرى 14 آذار، جدد «تكتل لبنان القوي» الدعوة «إلى حوار بين القوى السياسية حول هذا الإستحقاق على قاعدة الإتفاق على برنامجٍ انقاذي ينتهجه الرئيس المنتخب وتنفّذه الحكومة بالتعاون مع مجلس النواب على أن يتم انتخاب الرئيس الأنسب لهذا البرنامج الإصلاحي والإنقاذي. وفي هذا الاطار يتحمّل المسيحيون المسؤولية الأولى في الاتفاق بين الراغبين من بينهم على ذلك، لاختيار الشخص الأنسب». وفي بال رئيس «التكتل» إبقاء المبادرة بين أيدي القوى المسيحية، بعدما سحبها إعلان الثنائي الشيعي من تحت أقدام هذه الكتل، في محاولة منه لتأمين أغلبية 65 صوتاً تضمن وصول فرنجية إلى بعبدا.
في الواقع، أمام رئيس «تيار المردة» عقبتان تبعدانه عن القصر: أولاً تأمين نصاب الثلثين لانطلاق الجلسة الانتخابية، وثانياً تأمين أغلبية الـ65 صوتاً لانتخابه رئيساً.
واذا كانت التقديرات حول تأمين 65 صوتاً، لا تزال موضع نقاش وأخذ ورد، بين مؤيدين لرئيس «تيار المردة» يجزمون أنّ هذه الأكثرية لم تعد مستحيلة وثمة نواب باتوا في الجيبة لكنهم يحاذرون الكشف عن اتجاه تصويتهم للحؤول دون الضغط عليهم، وبين معارضين له يؤكدون في المقابل أنّه لو أتيح لفرنجية تأمين 65 صوتاً لما تأخر رئيس مجلس النواب نبيه بري في الدعوة إلى جلسة انتخابية تثبت بالورقة والقلم أنّ مرشحه الرئاسي بات على مسافة أمتار من «القصر».
في مطلق الأحوال، تصير لعبة الأرقام هذه مجرّد تفصيل بسيط اذا ما وضعت الورقة اللبنانية على طاولة التسويات الكبيرة، وهي تبدو بعيدة في الزمن. لكنّ هذه اللعبة تستعيد أهميتها اذا ما تقلّص حجم الاهتمام الدولي بالملف اللبناني لتعود السيطرة إلى اللاعبين المحليين، هنا يصير لكل صوت ثمن وحسبة.
ومع ذلك، لن يكون بمقدور فرنجية أن يسلك طريق بعبدا، اذا لم يتأمن النصاب القانوني، اذا ما افترضنا أنّ داعميه قرروا تجاوز أسلاك الميثاقية المسيحية، الشائكة، خصوصاً وأنّ فرنجية بنفسه سبق له أن أكد أنّ «الميثاقية هي أن تكون كل طائفة ممثلة وبالتالي فإنّ الرئيس المنتخب بـ65 صوتاً وبحضور 86 نائباً هو رئيس شرعي وميثاقي»، وذلك في تناغم مع ما سبق وأدلى به النائب علي حسن خليل حين قال «اذا جمع فرنجية 65 صوتاً من دون الكتلتين المسيحيتين، سنمضي به، فأولويتنا التوافق لكن عندما تصبح المعركة معركة أرقام فكل طرف يقوم بمصلحته».
اذاً، لا مانع لدى هذا الفريق من القفز فوق حاجز الميثاقية. لكن ماذا لو اقترنت هذه الميثاقية بتعطيل للنصاب؟ حتى الآن، تبدو القوى المعارضة عاجزة عن جمع 43 صوتاً تمكّنها من كبح الجلسات الانتخابية. القوات والكتائب حسما موقفيهما بالمجاهرة في استخدام عصا التعطيل للحؤول دون تمكين الفريق الداعم لفرنجية من دخول البرلمان. ومع ذلك لا تزال ثمة حاجة ماسة لجرّ جبران باسيل إلى ملعب التعطيل.
حتى اللحظة، يعتصم رئيس «التيار الوطني الحر» بالصمت ازاء هذه الخطوة. لم يحسمها لا سلباً ولا ايجاباً ولو أنّ بعض نواب «التكتل» يلمحون الى امكانية البقاء خارج الجلسة الانتخابية اذا كان هدفها انتخاب فرنجية، فيما البعض الآخر من النواب العونيين يفضل ترك الباب مفتوحاً.
وبالتفصيل، يتبيّن أنّ باسيل غير مستعجل لكشف أوراقه خصوصاً أنّ اشهار نيته بالتعطيل منذ الآن، في وقت تبدو فيه الجلسة الـ12 الانتخابية بعيدة الأمد، قد يرتد عليه سلباً لناحية تحميله، كما بقية المعارضين مسؤولية تعطيل الرئاسة والبلد وتعميق الانهيار… ولذا يبقي على تلك الورقة مستورة راهناً . والأرجح أنّ باسيل يترقب ملياً كيف سيستثمر هذا «الكارت»، يسرة أو يمنة، بمعنى أنّه لم يقفل الباب أمام التفاوض مع «حزب الله» كذلك لم يفعل الأخير ويترك نافذة للتشاور مع باسيل حول أكثر من سيناريو. كذلك يبقي باسيل على كوة التفاوض مع القوات حول التعطيل وما بعده، ولو أنّ معراب لم تعطه أي «ريق حلو» بعد. ولذا تراه يبقي ورقته مستورة، ويتجنّب الإفصاح أمام زواره عن مضامينها، مؤكداً أنّ المقاطعة ليست خياراً بالمطلق، كما المشاركة. الظروف هي التي ستحكم طبيعة قراره.
ومع ذلك، لا يجوز فصل المشهدية اللبنانية عن تداعيات الاتفاق السعودي – الإيراني الذي ترك لبنان في ثلاجة الانتظار: فالفريق المؤيد لفرنجية يتصرف على أساس أنّ هذه التطورات تدعم وجهة نظره وستكون تداعيات الاتفاق الاقليمي لمصلحة مرشحه، وفي حال كان العكس، فهو ليس مستعجلاً للاقدام على أي خطوة نقيضة. فيما الفريق الخصم لا يجد نفسه مضطراً لاستباق التطورات من باب تقديم أي تنازل، ليس مطلوباً منه، حتى الآن.