Site icon IMLebanon

تذاكي جبران

 

“لكل شيف لمسته على الطبق الذي يعدّه، حتى لو كان ما يعدّه من الأطباق التقليدية”. سمعت هذا الكلام ذات يوم من الشيف صلاح كرباج. ولما استفسرت منه كـ “شيف” عابر للأطباق عن تلك اللمسة أسرّ لي، والحكي كان بيناتنا، أنه بعد أن يطفئ النار تحت “الطبخة” يرفدها بقليل من الزبدة ولو كانت “شيخ المحشي”.

لن أسترسل، في امتداح مواهبي المهدورة في المطبخ، وقبل 10 دقائق بالتحديد دفعتُ بصينية نمّورة، أو البسبوسة كما تُسمّى في جمهورية مصر العربية وفي عدد من الدول، بعد إجراء تعديلات على وصفتي، ووضعت جهاز ضبط الوقت على الخمسين دقيقة. سأتذوقها بعد الغداء وأوافيكم بالإنطباعات الأولية.

كما لكل شيف لمسته على أطباقه، فلكل سياسي لمسته على المشهد الوطني العام ونكهته الخاصة، نكهة “الجنرال” الغضوب غير نكهة الـ”باربكيو صوص” مع جوانح دجاج. وطعم الكلام على لسان الرئيس ميقاتي قشطة مطبوخة وطعمه على لسان غازي زعيتر، مقادم. ووصفات عين التينة بمعظمها ملغومة بالفلفل الحر، وقلقاس “ميتر” نبيه يقلقس.

لكن أثقل ما يمكن أن تتذوقه من “وجبات” الشيف جبران حين يرتفع منسوب التذاكي ويفيض الشعور بالتفوّق على جنبات الطنجرة. أمس طلع علينا بدر الدجى، في موقف سيشكل علامة في التاريخ الوطني المعاصر. وما قيمة التاريخ إن حذف منه الصوت الجبراني الصارخ. سأل طليعة الثقلاء: لماذا نقبل بأن تطلق صواريخ من أرضنا مصدرها غير لبناني، ولماذا العودة إلى أيام مضت ودُفنت وينبغي أن نكون قد تعلمنا منها؟” نقبل إذا كان مصدرها لبناني فقط. شو ما كان اللبناني شرعي غير شرعي. موقّت. دائم. بنكهة ليبرالية. بطعم إيراني. شو ما كان.

دائماً،”ينكّه” جبران الحاضر بـ “فلايفر” التاريخ. فالصبي ولد مع اتفاق القاهرة. وُلد واعياً لكل ما يحيط به. واكب الحرب الليبانو ـ باليستنيان”. اشتد عوده في حروب التحرير. وها هو يعلن اليوم رفضه لصواريخ الأغراب “لا نحتاج لأن يأتي أحد ويستعمل أرضنا ليبعث برسائل، ولا نقبل على أرضنا إلا بالسلاح اللبناني في يد اللبنانيين”. هذا ما قاله الصبي الذي كبر. أساساً من سأله إن كان يقبل أو يرفض؟

إذاً، المسموح لهم باقتناء الصواريخ واسلحة الدمار الشامل، هم الشعب اللبناني والجيش اللبناني والمقاومة الإسلامية. فأن يطلق عنصر من “حزب لنا ” صاروخاً من عدلون ويصيب منزلاً لنا في مرجعيون، أو أن تنصب فصيلة من الحزب الديمقراطي المسيحي منصة صواريخ أرض جو في جورة بدران فذلك حق شرعي لها ولنا. بلدنا لنا ونحن أحرار أن “نصورخ” فيه على هوانا وليس على هوى حركة حماس.