تتوافق القوى السيادية المسيحية على رفض انتخاب رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، من منطلق أنّه حليف «حزب الله»، و»لن يدخل رئيس ممانع إلى القصر الجمهوري» كما سبق وأكد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع. بدوره، يرفض حزب «الكتائب اللبنانية» أي مرشح يتبنى سياسة «حزب الله»، و»هذه قضية خيارات كبرى نختلف مع فرنجية عليها»، كما صرّح رئيس «الكتائب» النائب سامي الجميل من باريس أخيراً. من جهتهم يرفض نواب مسيحيون مستقلّون انتخاب فرنجية أو أي مرشح حليف لـ»حزب الله» من المنطلق نفسه.
هذه القوى المسيحية تتقاطع مع رئيس «التيار الوطني الحر» على رفض فرنجية، إنّما من منطلقات مختلفة. ففي حين تجتمع هذه القوى كلّها على رفض انتخاب رئيس «المرده» من منطلق سيادي، يعارض باسيل «غريمه» الشمالي لأسبابٍ أخرى، ولا يزال موقفه السياسي الاستراتيجي يدور في فلك «المقاومة»، ولا يزال يمارس لعبة «الاتكاء» على «الثنائي الشيعي» عندما تتقاطع مصالحه مع «الحزب» وحركة «أمل»، تماماً كما حصل أخيراً بمشاركة «التيار» مع «الثنائي» في الجلسة التشريعية لـ»تطيير» الانتخابات البلدية والاختيارية.
مواقف باسيل هذه، خصوصاً لجهة الربط الاستراتيجي مع «الحزب» في كلّ مواقفه وخطاباته، هي «العائق» الأساس أمام الاتفاق المسيحي- المسيحي رئاسياً. فالتقاطع غير المباشر بين باسيل والأحزاب المسيحية المعارضة، ليس مرفوضاً، خصوصاً من «القوات»، بل يُمكن أن يحصل، رئاسياً أو في أي ملف. إنّما الأساس ليس التقاطع، بل على ماذا؟
المطلوب من الأفرقاء المسيحيين المعارضين رئيس يتمتّع بصفات سيادية وإصلاحية يستطيع أن يحكم ويقود معركة استثنائية في لبنان. وهذه المواصفات لا تتقاطع مع ما يطرحه باسيل، فيما عندما يعلن رئيس «التيار» فكّ الربط الاستراتيجي مع «الحزب» يُصبح التوافق المسيحي ممكناً. لكن لا يبدو أنّ حسابات باسيل تتخطّى حدود الارتباط الاستراتيجي بـ»المقاومة»، بحسب جهات معارضة، فهو تقصّد بعث هذه الرسالة لـ»الحزب»، بُعيد إطلاق الصواريخ من الجنوب على إسرائيل، فغرّد مستهدفاً «السلاح الفلسطيني» تحت عنوان «أنّنا لسنا في حاجة الى بارودة غير لبنانية في ظلّ وجود بارودة المقاومة والجيش».
إنطلاقاً من التقاطع بين القوى السيادية وباسيل على رفض فرنجية مقابل عدم التقاطع على اسم مرشح آخر، بالتوازي مع سقوط المقايضة التي طرحتها فرنسا بين فرنجية رئيساً والديبلوماسي نواف سلام رئيساً للحكومة، ودخول القطريين على الخط الرئاسي بخطوة تمهيدية منسّقة خليجياً لسحب البساط من تحت الحراك الفرنسي، يُعاد التداول بأسماء رئاسية خفت وهجهها مع تبنّي الفرنسيين تسويق فرنجية خارجياً، خصوصاً سعودياً. ومن بين هذه الأسماء، قائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي يُقال إنّ القطريين قد ينتقلون الى البحث في اسمه مع الأفرقاء اللبنانيين، خصوصاً أنّ الموفد القطري الذي أجرى زيارة استطلاعية رئاسياً أخيراً لبيروت شملت جولته لقاءً مع قائد الجيش.
لكن أحد المشاركين في لقاء مع الموفد القطري، يؤكد أنّ هذا الموفد لم يطرح أي اسم رئاسياً، بل كان هناك تكتُّم تام من جانبه، واكتفى باستطلاع النظرة الى الاستحقاق الدستوري وطريقة الخروج من المأزق الرئاسي وما هي الحلول المطروحة والممكنة. إلّا أنّ هذا لا يعني أنّ القطريين لا يؤيدون قائد الجيش، بل هم مع انتخابه ويسوّقون اسمه، لكن في الزيارة الأخيرة للبنان، اقتصرت مهمة الموفد القطري على الاستطلاع لكي يبنوا عليها وضعيةً رئاسية. فيما أنّ الهدف الأساس من هذه الزيارة، بالنسبة للمصادر المطّلعة نفسها، كان رسالة للفرنسيين مفادها أنّ مهمتكم انتهت بعدما فشلتم في إنتاج انتخاب رئيس وبدأت مهمة الدول الخليجية.
كذلك بحسب المعلومات، لم يتطرّق الحديث بين الموفد القطري وقائد الجيش إلى الملف الرئاسي، بل شمل جولة أفق على وضع البلد والصعوبات القائمة، إضافةً إلى حاجات الجيش وسؤال القطريين عن كيفية مساعدة المؤسسة العسكرية. وطرح قائد الجيش الحاجات الأساسية والضرورية للجيش، لا سيما منها المحروقات، ووعد الجانب القطري بدرسها. وبمعزل عن صعود أسهم قائد الجيش أو انخفاضها في البورصة الرئاسية، سيبقى العماد عون «الصامت الأكبر» رئاسياً الى حين طرح الموضوع معه رسمياً وجدياً.
وإذ تعلو أصوات جهات سياسية مطالبةً إياه وأي مرشح رئاسي بإعلان برنامجه الرئاسي، يعتبر مؤيدون لقائد الجيش أنّه ليس من واجبه إعلان أي برنامج أو إطلاق أي حملة رئاسية فهو لم يرشح نفسه للرئاسة بل هناك جهات وأفراد يرشحونه. وبالتالي، لن يتحدّث في الموضوع الرئاسي، خصوصاً أنّ من يتحدثون عن برامج رئاسية يعلمون أنّ رئيس الجمهورية لا يملك عصا سحرية وليس من ينفّذ أي برنامج بحسب النظام اللبناني، وبالتالي هم يحاولون إحراجه لكي يتحدث علناً، وهو لن «يُستدرج».
في الصورة الرئاسية أيضاً، لم يُحسم سقوط اسم فرنجية بالنسبة إلى «الثنائي الشيعي»، على رغم تأكيد مصادر مطّلعة أنّ الفرنسيين تخلّوا عن المقايضة التي طرحوها، وحتى لو لم يتخلّوا عن اسم فرنجية، هناك استحالة لإيصاله، فلا إمكانية لذلك بعدما اصطدمت هذه المحاولة بميزان قوى داخلي لا يمكن أن يقبل برئيس «المرده» رئيساً ولا بأي تسوية لوصوله. وإذ لا تزال المباحثات الرئاسية تراوح في الدائرة نفسها، توصّف جهات سياسية الوضع الرئاسي الآن، على أنّه مرحلة انتظار «حزب الله» الثمن الذي سيحصل عليه مقابل تخلّيه عن فرنجية.