لا يزال الإستحقاق الرئاسي عالقاً في دائرة مفرغة، حيث لا تغيير في مواقف القوى الداخلية. التدخّل الخارجي فشل حتى الآن في حضّ الأفرقاء السياسيين في لبنان على انتخاب رئيس للجمهورية. المبادرة الفرنسية أجهضتها القوى المعارضة. ورهان «الفريق الممانع» على تأثير فرنسي على السعودية لكي تؤثر بدورها على المعارضة، سقط أيضاً.
السعودي قال كلمته: لا تدخُّل ولا ضغط ولا ترشيح ولا «فيتو». أمّا واشنطن، فتحرّكت أخيراً على الخط الرئاسي، ربطاً باقتراب موعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. لكن الانتخابات الرئاسية لها ظروفها ومعطياتها الداخلية التي قد لا تنتج رئيساً في الشهرين المقبلين. لذلك بدأ التفكير بخيارات بديلة لمنع الشغور في موقع الحاكمية، وخصوصاً لجهة دور الحكومة على هذا المستوى.
حجم الموقف الأميركي وتأثيره محصوران ضمن حدود الحضّ على انتخاب رئيس، بحسب مصادر مطّلعة على لقاءات السفيرة الأميركية. وتشير هذه المصادر الى أنّ الموقف الخارجي لا يمكنه وحده الدفع لإنجاز هذا الاستحقاق أو أي استحقاق دستوري، تماماً كما حصل في الانتخابات الرئاسية السابقة حين استمرّ الفراغ لسنتين ونصف السنة، كذلك تعذّر تأليف حكومات لأشهر، رغم الدفع الدولي، خصوصاً بعد 4 آب 2020. وحتى الآن، لم تحرّك المواقف والمبادرات الخارجية الواقع السياسي والرئاسي في لبنان.
وبالتالي، ترى جهات سياسية، أنّ المسألة الرئاسية متعلّقة بميزان القوى الداخلية، والذي قد يتبدّل وفق معطى من اثنين مرتبطين بموقف رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل:
الأول، أن يبدّل موقفه الرافض انتخاب مرشح «الثنائي الشيعي» رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية رئيساً، فيما حتى الآن لا مؤشرات على ذلك.
الثاني، اتفاق باسيل مع المعارضة على مرشح واحد ما يؤمّن له أكثر من 70 صوتاً. ورغم أنّ هذا الاتفاق لا يعني انتخاب هذا المرشح، إلّا أنّه يؤدّي إلى إسقاط اسم فرنجية واقعياً وعملياً، فضلاً عن أنّه يدفع باتجاه إنجاز الانتخابات.
لذلك هناك محاولات قائمة للوصول إلى اتفاق بين المعارضة وباسيل، وهذا لا يعني اتفاقاً بين «التيار» وحزب «القوات اللبنانية» أو «تفاهم معراب 2»، بل اتفاقاً واسعاً بين كلّ مكونات المعارضة من «سيادية» و»تغييرية» مع «التيار» ما «يقلب» المعادلة الرئاسية.
جهات معارضة ترى من خلال التواصل مع «التيار»، أنّ باسيل لا يزال يدرس حساباته. وبعد موقفه الرافض انتخاب فرنجية، من الواضح أنّه لا يريد الذهاب أبعد من ذلك الآن، لذلك هو يتريّث. إذ ربما يعتقد أنّ «محور الممانعة» الذي راكم سنوات عدّة في خطّه، انتصر، بعد عودة سوريا الى الجامعة العربية، لذلك «يتريّث» باسيل قبل «قطع شعرة معاوية» مع «حزب الله» وهذا المحور.
في هذا السياق، لا تزال مكوّنات المعارضة تحاول الاتفاق في ما بينها على مرشح واحد وهي لم تتمكّن من ذلك بعد، وبالتوازي تحاول الاتفاق مع «التيار» حول مرشح من دون أن تحقّق أي نتيجة حتى الآن.
بالنسبة الى «التيار»، المسألة الحوارية مع المعارضة لا يعرقلها «التريّث»، بل الواقعية السياسية إضافةً الى المقاربة الدستورية. إذ إنّ انتخاب رئيس يتطلّب نصاب الثلثين، أي حضور 86 نائباً جلسة الانتخاب، ما يعني أن تجتمع قوى أساسية على اسم هذا المرشح، ومن بينها «حزب الله»، فحتى لو لم ينتخب بعض القوى هذا المرشح إلّا أنّ انتخابه يستوجب موافقة هذه القوى عبر مشاركة نوابها في الجلسة.
لذلك، لا يمكن، بحسب «التيار»، انتخاب رئيس «تحدٍّ» إن ضدّ «حزب الله» أو القوى الأخرى، ولا حلّ إلّا برئيس بعد نقاش و»رضى» الجميع عن هذا الخيار. كذلك، يعتبر «التيار» أنّ اسم الرئيس ليس الأساس، بل البرنامج والمشروع، فـ»قد نتفق على الشخص ونختلف بعد انتخابه على أولوياته الرئاسية، إذ بحسب النظام اللبناني، أي قوى لا توافق على إصلاحٍ ما يمكنها أن تعرقله بحق الميثاقية والفيتو». وبالتالي، يجري «التيار» اتصالات ولقاءات مع «الحزب» ومع مختلف مكوّنات المعارضة، للاتفاق على هذه المقاربة قبل الاتفاق على الاسم، إذ يجب الحصول على التزام الجميع ببرنامج المرحلة المقبلة، وفي الوقت نفسه أن يواكبه المجتمع الدولي، وإلّا «نكون وضعنا شخصاً على الكرسي من دون أن يمتلك مقوّمات النجاح وإنقاذ لبنان من الانهيار».
وتعتبر مصادر «التيار» أنّ عدم اتفاق المعارضة في ما بينها على مرشح واحد، فحتى نواب التغيير يطرح كلّ منهم اسماً، يعرقل الاتفاق العام. وتشير الى أنّ اللقاءات مع المعارضة، لم تؤدِّ الى نتيجة بعد. كذلك اللقاءات مع «الحزب» لم تشهد أي تقدّم، فـ»حزب الله» لا يزال حتى الآن متوقفاً عند اسم فرنجية.
وتلخّص هذه المصادر موقف «التيار» رئاسياً المنطلق من الواقعية، بأنّ الأساس البرنامج واتفاق القوى الرئيسية على هذا البرنامج ثمّ اسم الرئيس. أمّا المحسوم لدى باسيل، حتى الآن: رفض فرنجية مرشح «الحزب» ورفض مرشح ضدّ «الحزب». واللقاءات مستمرّة مع الجهتين، لكن حتى الآن، لا اسم مشترك بين كلّ القوى الأساسية. ومن دون تحقيق ذلك، لا رئيس، بحسب «التيار».