«سعوديا» حسم الموقف من الملف الرئاسي بترك اللبنانيين يتدبرون أمرهم في شأن انتخاب رئيس للجمهورية، وعدم التدخل لمصلحة أي مرشح او وضع «فيتوات» على أحد، باستثناء مواصفات حددتها المملكة السعودية للرئيس الإنقاذي، مما خلق ارتياحا في الداخل ازاء الموقف السعودي بالمساواة بين المرشحين.
لكن الحياد السعودي رمى الكرة الرئاسية الى الملعب الداخلي، تاركا الكرة تدور بين القوى السياسية المؤثرة في الاستحقاق. فانتخاب رئيس للجمهورية بات مرتبطا بصورة أساسية، إما بتراجعات تجريها هذه القوى او توافقات قد تقدم عليها، وإذا كان موقف الثنائي الشيعي واضحا ولا رجوع عنه بالاستمرار في معركة سليمان فرنجية حتى «الرمق الأخير»، فالأنظار متجهة الى القوى المسيحية التي سيكون لها الدور الأكبر في رسم مسار المعركة الرئاسية، وتحديد هوية الرئيس المقبل .
وإذا كان موقف الكتلتين المسيحيتين متوقفا عند رفض دعم وتأييد رئيس «تيار المردة»، فان السؤال الكبير يطرح حول تبدل قد يطرأ على موقف أحد الحزبين المسيحيين لجهة تأمين نصاب جلسة الانتخاب، التي حدد موعدها رئيس مجلس النواب قبل ١٥ حزيران، وإذا كان شبه محسوم عدم حصول أي تبدل لدى «القوات»، التي تشكل رأس حربة المعارضة السياسية لانتخاب فرنجية، والتي توترت علاقتها اخيرا مع رئيس المجلس تحت هذا العنوان، فان وضع «التيار الوطني الحر» يبدو أيضا مربكا وغير واضح بعد، فالنائب جبران باسيل على مفترق خيارات كبرى تتعلق بحزبه ووضعه الشعبي وعلاقته بحزب الله، ويتأرجح أمام اشكاليتين «أحلاهما مر»، فالاتفاق مع المعارضة وفق الاتصالات التي نشطت مؤخرا للتوافق على اسم موحد، من شأنه ان يوتر علاقته بحزب الله لأنه سيكون بمواجهة مع مرشح الثنائي، فيما يعتير الانضمام الى خيار الحزب مضرا بمصداقية باسيل في حال العودة لانتخاب فرنجية، خصوصا انه رفع منذ البداية شعار إسقاط ترشيح فرنجية.
ووفق مصادر سياسية، فان الاتفاق مع قوى المعارضة حسم فقط في البند المتعلق بتعطيل وصول سليمان فرنجية، فيما المحاولات قائمة بين باسيل وقوى المعارضة من اجل التوافق على اسم مرشح لا يزال ضائعا بين ثلاثة خيارات: جهاد أزعور وزياد بارود وقائد الجيش .
ووفق مصادر المعارضة، فإن المساعي جارية للتوافق مع «التيار الوطني الحر» بانتظار صدور القرار النهائي في شأن التوافقات، ولكن المعارضة لا تنفي مخاوفها من «تكويعة» باسيل وعدم اكمال المشوار الرئاسي بمرشح واحد، لانه ليس قادرا على ضرب علاقته الاستراتيجية بالمحور السياسي الذي ينتمي إليه، مما يضع باسيل امام خيار عدم إمكان الاتفاق مع المعارضة وعدم السير بمرشح الثنائي أيضا، فخروج التيار من محوره السياسي سيكون انقلابا سياسيا ومكلفا لباسيل سياسيا ونيابيا في الاستحقاقات المقبلة. وفي هذا الاطار يتحدث المتابعون عن رصد إشارات ايجابية من ميرنا الشالوحي باتجاه حارة حريك من اجل فتح صفحة جديدة في العلاقة، بعدما كانت أبواب الحزب شبه مغلقة على التفاهم مع التيار.
مع ذلك، تبقى عودة الأمور الى مجاريها السابقة، من بوابة سير «الوطني الحر» بترشيح رئيس «تيار المردة» غير المؤكدة بعد، فباسيل ذهب بعيدا في قطع الجسور معه، ولا يمكنه «بكبسة زر» رئاسية العودة عن مواقفه على طريقة رئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط، المتقلب من ضفة الى أخرى، وبالتالي فان العودة عن رفض ترشيح فرنجية سيجعله فاقدا المصداقية في الشارع المسيحي، لأنه لم يترك «سترا مغطى» للعلاقة مع «المردة»، ودأب منذ عدة أشهر على الهجوم على فرنجية لشطبه والغائه سياسيا، خصوصا انه يستشعر خطرا على الزعامة المسيحية مستقبلا، في حال أضحى سليمان فرنجية في قصر بعبدا رئيسا منتخبا بغطاء إقليمي مفاجىء نتيجة التسوية السعودية – الإيرانية.