شاءت الاقدار السياسية ان تنتقل بيضة القبان في الملف الرئاسي من وليد جنبلاط الى جبران باسيل الذي وجد نفسه أمام خيارين لا يحتملان القسمة على اثنين: إما التفاهم مع المعارضة على مرشح في مواجهة سليمان فرنجية ما يخلط الأوراق ويقلب الطاولة وإما الاتفاق مع حزب الله على مقاربة مشتركة من شأنها ان تبقي زمام المبادرة في حوزة فريق المقاومة والممانعة.
إذا كانت طبيعة التوازنات السياسية قد اعطت باسيل «الصوت المرجّح» في الانتخابات الرئاسية، مع ما يعنيه ذلك من تعزيز لموقعه السياسي، الّا انّ هذا الدور هو في الوقت نفسه سيف ذو حدين، إذ انّ الخطأ في الحسابات سيكون مكلفاً وقد يرتّب تداعيات سياسية كبيرة.
حتى الآن، استطاع باسيل و»حزب الله» إدارة الخلاف المستجد بينهما بأقل الخسائر الممكنة. صحيح انّ الجفاء والجفاف سادا العلاقة بعد ربيع طويل، وانّ مناصري الطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي انتقلا من خندق مشترك إلى متاريس متقابلة، لكن الصحيح أيضاً انّ القيادتين تركتا خط الرجعة سالكاً، وظلتّ كل منهما تراعي اعتبارات الأخرى ضمناً، ولو من دون تنسيق مباشر.
هذه المنطقة الرمادية التي يقيم فيها باسيل والحزب إلى حين انقشاع الرؤية، بدأت تضيق عليهما شيئاً فشيئاً مع التقلّص، خصوصاً انّ باسيل بات مدعواً من قِبل طرفي الانقسام الرئاسي إلى حسم خياره، فيما لا يزال رئيس التيار يميل إلى التأني في قراره، لأنّه يعرف انّ هذه هي ورقته الرابحة ولن يلعبها قبل أن يضمن الحدّ الأدنى من مردودها.
وهناك من يلفت إلى انّ باسيل يبدو في آن واحد حاجة وعبئاً بالنسبة إلى محوري الاصطفاف الحالي. هو حاجة حيوية من أجل «هندسة» اكثرية الـ 65 صوتاً أو نصاب الـ 86 نائباً، وهو كذلك «عبء» في ظلّ أزمة الثقة بينه وبين فريقي التجاذب الرئاسي، كلٌ لأسبابه ودوافعه، لاسيما مع «القوات اللبنانية» وأطراف أخرى في المعارضة.
بهذا المعنى، فإنّ مشكلة الحلفاء والخصوم على حدّ سواء، هي انّهم من جهة لا يستغنون عن باسيل لتعديل التوازنات الحالية سواء أحبوه ام كرهوه، ولا يقبلون من جهة أخرى بأن يتمّ تفصيل اي اتفاق معه على قياسه.
ويستبعد القريبون من «الثنائي الشيعي» ان يذهب باسيل إلى تفاهم مع المعارضين على حساب مستقبل علاقته بالحزب، «إذ في حال قرّر رئيس التيار ان يلاقي جعجع وحلفاءه حول اسم مشترك، سواء كان جهاد أزعور ام غيره، فإنّ ذلك سيفضي إلى قطع آخر الخيوط الرفيعة التي لا تزال تربطه بالحزب، وبالتالي الانتقال إلى تموضع سياسي مختلف، وهذه مغامرة من غير المرجّح ان يخوضها».
ولئن كان باسيل يأمل في أن يجنّبه الحزب الاحتمالات الصعبة، عبر إفساحه المجال أمام البحث في «اسم آمن» ومريح للمقاومة غير فرنجية، الّا أنّ كل المؤشرات تبين بأنّ الحزب ليس في صدد التخلّي عن حليفه الشمالي في عزّ معركته.
ولا يجد الحزب من زاويته أي مبرّر لتعديل موقفه، فيما المحور الذي ينتمي اليه انتصر في المنطقة، حيث عادت سوريا إلى الجامعة العربية بلا تنازلات، واستأنفت الرياض علاقتها بدمشق بلا ان تدفع الأخيرة أثماناً سياسية، بل هي صمدت في موقعها داخل المحور واستمرت على تحالفاتها الاستراتيجية، وبالتالي الحزب ليس مضطراً للقبول برئيس لا يعكس هذه التوازنات وكأنّه مهزوم، مع تشديده على أنّ فرنجية لن يكون رئيساً مستفزاً او متحدّياً، بل مرناً ومنفتحاً على الجميع في الداخل والاقليم، تساعده في ذلك البيئة الملائمة التي أنتجها الاتفاق السعودي- الايراني.
ad
وتفيد المعلومات، انّه من غير المطروح ان يوافق الحزب على وصول أزعور إلى رئاسة الجمهورية، وانّ أقصى المرونة التي يمكن أن ييديها هي عدم الممانعة في تعيينه حاكماً لمصرف لبنان.
اياً يكن الأمر، غالب الظن انّ محاولات حسم الخيارات الداخلية ستتأجّل الى ما بعد القمة العربية التي ستنعقد في جدة في 19 أيار الجاري، ليس ترقباً لنتائجها الكلاسيكية وإنما لمفاعيل عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وانعكاسات اللقاء المتوقع بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس السوري بشار الأسد إذا حضر.
ويعتبر المواكبون لتحضيرات القمة، انّ أهميتها ستُختصر بمشاركة سوريا ولقاء الأسد – بن سلمان المفترض، وهذا الجانب تحديداً ستكون له انعكاسات على لبنان واستحقاقه الرئاسي، مع الاشارة إلى انّ العارفين يؤكّدون انّ الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله سيبقى المرجع الأساسي للملف اللبناني سورياً، وانّ الأسد يحرص على الاستمرار في مراعاة هذه المعادلة.