رغم الحراك المحلي والخارجي الخجول تلتقي المعارضة مع الموالاة على التعادل السلبي. لا المعارضة قادرة على الإتفاق على مرشح رئاسي، ولا «الثنائي الشيعي» استطاع أن يتفاهم وحليفه المسيحي. عين كلّ من الطرفين على رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بانتظار قراره النهائي بشأن الرئاسة. ستصبح الغلبة لخيار أي فريق سيتموضع باسيل إلى جانبه. إذا قرّر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع والمستقلون مع التغييريين والإشتراكي ترشيح مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور ووافق باسيل عليه، يصبح رئيساً، وإذا أيّد خيار «حزب الله» فسيغدو فرنجية رئيساً.
وطالما أنّ الطرفين ينتظرانه فهذا يؤكّد أنّ رئيس «التيار الوطني» لم يحسم خياره بعد وهو يبحث عن نقطة تقاطع بين أغلبية اللبنانيين لتتمثل في مرشح يحظى بموافقة الجميع. يرفض باسيل الذهاب نحو مرشح التحدي الذي تطرحه قوى المعارضة، وبقدر ما يخوض معركة مع الفريق الذي يرشّح فرنجية بقدر ما تكون معركته مع المعارضة لعدم ترشيح أي شخصية يرفضها «الثنائي الشيعي». برأيه إنّ هناك أسماء تتناسب مع المواصفات المطلوبة من ناحية المرشح الإصلاحي والشفاف والحريص على تطبيق القانون والذي لا تشوب علاقته شائبة مع المقاومة.
لغاية اليوم ورغم مرور ما يقارب الثمانية أشهر على الشغور الرئاسي، يرفض باسيل كشف أوراقه طالما أن «حزب الله» يرفض مبدأ النقاش بمرشح بديل عن فرنجية. لا يوفّر «حزب الله» فرصة التأكيد على خياره وكلما ارتفعت أصوات ترفض فرنجية يؤكد «الحزب» على لسان كبار قادته السير بترشيحه، وقد ورد في آخر المواقف ما صرّح به رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» محمد رعد الذي دعا للتفاهم ولكن «على ترشيح فرنجية» معتبراً أنّ لدى «حزب الله الحجج والبراهين والأدلة التي نتوسّم فيها أن نقنع الآخرين إذا كانوا أهل منطق».
عقدة فرنجية هي السبب الذي باعد «التيار» عن «حزب الله» وأخّر تلاقيهما. طالما أنّ باسيل مصرّ على رفض ترشيح فرنجية فلا جديد ليناقشه معه «حزب الله»، وطالما أنّ «حزب الله» متمسّك بترشيح فرنجية فلا داعي للحوار من ناحية باسيل. وسط هذه المراوحة والتشدّد من قبل الطرفين بات أسهل أن يلتقي السفير السعودي وليد البخاري مع رئيس وحدة الإرتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا، من أن يلتقي الأخير مع باسيل.
بعيداً عن نغمة الوزير السابق المعزول والمعاقب والتي يعاكسها واقعه السياسي، فإنّ باسيل تحوّل إلى مقصد الطرفين أو بتعبير آخر لمصدر سياسي معارض، «الكل يستجديه». في جدول مواعيده لقاءات مع نواب تغييريين ومن المعارضة على اختلاف مشاربها ومن لم يلتقه مباشرة تولّى الرسل لقاءه.
في الوقائع، إنّ باسيل يخوض حواراً مع الكل وينطلق في حواره من نقطة محورية مفادها رفض رئيس لا يكون متفقاً عليه مع «الثنائي» والمقصود هنا رفض إنقسام البلد والتأكيد على رئيس يجمع ولا يفرّق. باسيل وإن كان على خلاف مع «حزب الله» لعدم اقتناعه بترشيح فرنجية أو بسلوك «الحزب» تجاه المرشح الرئاسي المسيحي إلا أنّه يرفض الذهاب بعيداً في الخلاف كي لا ينعكس سلباً على البلد وهي حقيقة لا يتردّد في مصارحة القوى المعارضة بها.
في سرّه يتخوّف «حزب الله» من أن يتماهى حليفه المسيحي مع خيارات قوى المعارضة فيضيّع عليه فرصة مرشّحه. وخوفه مبرّر لأنّ باسيل متى اتفقت المعارضة مع الإشتراكي والتغييريين على ترشيح أزعور فلن يكون بمقدوره الخروج عن التوافق، خاصة أنّ ترشيح الوزير السابق يحظى بتأييد البطريركية المارونية. حينها لن يبقى باسيل خارج اللعبة ولا يناسبه أن يكون خارجها خاصة متى توافرت إرادة دولية لذلك. حتى اليوم وصل النقاش مع «حزب الله» إلى حائط مسدود ولو أنّ «حزب الله» سحب فرنجية من التداول لوجد باسيل إمكانية النقاش معه بثلاثة أسماء غير معلنة لمرشحين يمكن التوافق بشأنهم لكن الخلاف لا يزال بينهما على جدول الأعمال.
أما لناحية المعارضة، فالمراسلات قائمة من خلال النواب من الجهتين. إجتماع المعارضة الأخير إنتهى الى الخلاف مجدداً على مقاربة الموضوع الرئاسي. مُنيت المعارضة بخسارة جرّاء الحديث الأخير لرئيس الإشتراكي وليد جنبلاط الذي ركّز كل حديثه على إيصال رسالة مفادها إنتقال الراية إلى نجله تيمور لكنّه وعلى ما يبدو لن يلتقي معهم وكأن المعركة لم تعد تعنيه لتلمّسه أنّه بات خارج التسوية.
تحرص اللجنة المصغّرة للمعارضة والتي تضمّ عدداً من النواب من بينهم سامي الجميل، غسان حاصباني، ميشال معوّض، وضاح الصادق، ميشال دويهي، مارك ضو، على استعراض أسماء المرشحين من قبلها. جلّ ما تريده هو مرشح يتوافقون عليه وإن كان معارضاً لـ»حزب الله». يتواصلون مع الإشتراكي من خلال النائب وائل أبو فاعور ومع ممثل عن «التيار الوطني الحر» من دون الإتفاق معهما بعد.
في توصيفه تقول مصادر باسيل إنّه في موقع الباحث جدياً عن نقاط مشتركة ما بين المعارضة والثنائي الشيعي. كلا الفريقين ينتظر منه أن يكون حليفه في وجه الفريق الآخر وهو في انتظار الفريقين ليتفاهما ويتقاربا على مرشح وسطي. منزعج لكون الوقت لا يلعب في صالح لبنان بينما المنطقة تتقدم.
بين «الثنائي الشيعي» و»الثنائي الماروني» يتأرجح باسيل. يستدرج عروض الطرفين ليدرس أيهما الأفضل. عبر قنوات يتواصل مع القوات والكتائب ويزوره نواب تغييريون ومن المعارضة. عين «الثنائي» تراقبه واليد على القلب، وهو عينه على التسوية المقبلة التي تبشّر بها التحوّلات الحاصلة من حولنا.