حديث رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل عن إمكانية الاتفاق على أسماء أخرى مع «حزب الله» للرئاسة بعد جلسة 14 حزيران، شكّل إشارة علنية أولى لاستعداده للتخلي عن دعم ترشيح الوزيرالسابق جهاد أزعور، لمصلحة مرشح يتم التوافق عليه.
من نافل القول إنّ هذا ما كان يرمي إليه باسيل، حين «تقاطع» مع فرقاء المعارضة ولا سيما حزب «القوات اللبنانية» على إسم أزعور. هجوم باسيل على قائد الجيش العماد جوزاف عون وحديثه عن «عدم احترام قوانين المحاسبة العمومية والدفاع الوطني»، في قيادة الجيش ورفضه خيار القائد للرئاسة، تعود كلها إلى خلفيات تتعلق بالمداولات بين رئيس «التيار الوطني الحر» وبين «حزب الله» بعدما وقع الخلاف حول دعم الأخير لرئيس تيار «المردة» سليمان فرنجيه. في مرحلة معينة من النقاش بين باسيل و»الحزب»، قيل له بأنّه سيكون في خيار بين فرنجية وبين قائد الجيش، فرفضه أيضاً.
في دعوته قبل يومين إلى الاتفاق على مرشح جديد بحجة أنّ الجلسة النيابية الأخيرة برهنت أنّ أياً من الفرقاء ليس قادراً على تأمين الأكثرية، يستبق باسيل ما يخشاه من أن يعود «الحزب» فيطرح خيار العماد عون، وهذا ما يفسر رفضه له باتهامات سبق لإعلام «التيار الحر» أن ساقها ضد القائد.
مع أنّ المعطيات عن موقف «الثنائي الشيعي» تشير إلى أنه ليس في وارد التخلي عن فرنجية حتى إشعار آخر، وبالتالي لن يترك مجالاً للبحث معه في المرشح البديل، سواء قائد الجيش أو غيره، فإنّ باسيل مسكون بهاجس مجيء رئيس للجمهورية من غير إرادته. قد يعود ذلك إلى أنّ الجانب القطري سبق أن دعاه إلى تفاهم واسع على قائد الجيش وحاول إقناعه به. كما أنّ باسيل يخشى من أن يذهب بعض من تقاطع معهم على دعم ترشيح أزعور، إلى اعتماد خيار القائد.
يعتقد البعض أنّ «الحزب استخدم خيار قائد الجيش «فزّيعة» لباسيل، كي يؤيد فرنجية، لكن الأخير افتتح بحملته على القائد، البازار الجديد للتفاهم على مرشح ثالث، في وقت يترك «الحزب» للوقت وللتفاهمات الخارجية أن تتبلور فتشمل لبنان لاحقاً، في لعبة عض الأصابع. إلا أنّ باسيل الذي يدرك أنّ «الحزب» يتريث في حسم الاستحقاق الرئاسي، يسجل رغبته في التفاهم معه، ضارباً بعرض الحائط تمسك من تقاطع معهم في تأييد أزعور، بعد الجلسة الثانية عشرة. هو يحتاط لإمكان تقاطع جديد، دولي إقليمي على قائد الجيش، قد تنضم إليه قوى المعارضة.
الوجه الآخر لرفض باسيل العماد عون هو استدراج العروض من «الحزب» ومن فرقاء المعارضة على السواء حول الخيار الثالث، إذا ثبت أنّ «الثنائي الشيعي» ليس في وارد القبول بالجنرال كما سبق لنواب أن فهموا من الرئيس نبيه بري. لكن مناورة باسيل أشبه بضربة سيف في الهواء، لأنّه إذا حصل التفاهم الدولي والإقليمي الذي يشمل إيران على قائد الجيش، لا يمكنه الوقوف في وجهه، لأنّ «الحزب» يرجح الكفة في هذه الحال، فيما لا مانع لدى معظم قوى المعارضة من أن تنسجم معه، باستثناء التغييريين. والمعارضون والتغييريون ليسوا متحمسين للمرشح الذي يضمره باسيل.
يعيد كل ذلك الضوء إلى الحراك الخارجي، ليس فقط لوجود الموفد الرئاسي الفرنسي جان- إيف لودريان في بيروت مستطلعاً ما يمكن لفرنسا أن تقترحه، بل لأنّ ما بعد زيارته يٓفترض محطة تشاور مع الجانب السعودي، الذي وإن تمايز في المرحلة السابقة عن باريس بعدم الانخراط في الأسماء والحياد حيالها، فإنّه اتفق معها على تأييد الجهود التي تبذلها. فالنقطة الأولى التي سيستكشفها لودريان، من بين نقاط أخرى عديدة تتعلق بعناوين التسوية التي يراها كل فريق، ومدى استعداد الطرفين للتخلي عن مرشحيهما. وقد تكون المحطة الثانية لما بعد جولته الاستطلاعية التشاور مع أعضاء خماسية باريس، التي تضم الولايات الوحدة الأميركية، السعودية، مصر وقطر، والتي التقى سفراؤها في بيروت. المعطيات تفيد بأن لا مؤشرات إلى نية عقد اجتماع خماسي على مستوى أعلى، نظراً إلى استمرار التباين بين الدول الخمس حول مقاربة كل منها للأزمة الرئاسية. فواشنطن مع تسليمها لفرنسا ببذل جهودها لإحداث اختراق ينهي الفراغ الرئاسي، لا توافقها على كامل مقاربتها للحل. والقاهرة المنشغلة في أوضاعها وفي تداعيات حرب السودان، تترقب مفاعيل التقارب السعودي الإيراني بحذر، وقطر التي تنطق أحياناً بما يدور في خلد السعودية وتنسق معها في التفاصيل، لديها هي الأخرى مقاربتها الخاصة وآليات تحركها المختلفة. أي أنّ دول الخماسية تتحرك منفردة وبالمفرق، ريثما تصل إلى قواسم مشتركة.