IMLebanon

باسيل ينتقل من شروط ما قبل الحوار الى شروط ما بعده 

 

بعد كل ما قيل ويُقال عن زيارة الموفد الفرنسي الى لبنان جان إيف لودريان من استنتاجات متناقضة، بات لا بدّ من إضافة عنوان آخر على الزيارة، التي وُصِفت بداية بالاستطلاعية، الى الزيارة الأكثر لُغزاً رغم كثرة الأقاويل عنها، بحيث بات بهكذا نوع من الزيارات لا بدّ من انتظار الفعل لا القول لمعرفة حقيقة ما خلُصت إليه.

 

فبين انتهاء المبادرة الفرنسية واستمرارها، هناك مَن يستند الى إشارات ما قبل الزيارة، باعتبار أن تغيير اسم الموفد يعني بداية مرحلة جديدة أو مبادرة جديدة، بالإضافة الى عنوان الزيارة الاستطلاعي والاستكشافي، الذي يصب في الفكرة نفسها. أما بعد اللقاءات التي أجراها لودريان مع الفرقاء السياسيين وتحديداً المعارضين لرئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، فتم التأكيد لهم أنه انتهى، خاصة بعدما قال الموفد الفرنسي بلقائه مع التيار الوطني الحر «طويت صفحة فرنجية» ، ما يعني أن باسيل حقق من التقاطع ما يريد، ألا وهو الذهاب للبحث عن مرشح ثالث.

 

ما فُهِم عن أن رحلة البحث عن مرشح ثالث بدأت، يراه حزب الله بطريقة مختلفة، فبعد الجلسة الانتخابية الشهيرة، أظهر المشهد حقيقة عجز جميع الأطراف عن الإتيان برئيس، وهذا ما يَعترف به الثنائي ويتعامل معه بواقعية، وبخاصة أنه كان منذ البداية مقتنعاً بضرورة التوافق عبر الحوار، إلا أنه كان يصطدم دائماً بالشروط التي يطرحها «التيار الوطني الحر» بالتحديد، لأن محتوى الحوار أصلاً سيناقِش بواقعية مواصفات المرشحين، وبما أن التيار لا يملك مرشحاً جدياً، قرر المناورة عبر اسم الوزير السابق جهاد أزعور من أجل العودة الى المربع الأول، ألا وهو تسمية رئيس خارج المطروحين على الساحة.

 

وفي المعلومات، أن التيار يميل الى ترشيح الوزير السابق زياد بارود، لكن بعد أخذ ضمانة من أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بتنازل الثنائي عن فرنجية بحال عدم التوافق عليه، هذا ما أبلغه باسيل لحزب الله، ما يعني أن رئيس التيار وافق على الحوار مع الحزب دون الشرط المسبق الذي كان قد وضعه سابقاً بسحب فرنجية قبل الحوار، الى شرط جديد بسحب فرنجية بعد الحوار بحال عدم التوافق عليه، فهو سَحَب الشروط الشكلية ووضع شرط الضمانة.

 

حزب الله يعتبر ان باسيل يناور، فصحيح انه لا يريد الخصومة مع الحزب، ولكن لم يتقدّم خطوة باتجاه رفع الشروط، وهذا النهج لا يمكن الاستمرار به، وبخاصة أن هناك استحقاقات داهمة: كانتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، وتطور التفاهمات الإقليمية، والشعور الفرنسي المتزايد بضرورة إيجاد حل سريع في لبنان، بالإضافة الى الدعوات المتزايدة للفيدرالية، تقابله زيادة قناعة الأطراف بضرورة إعادة النظر بأصل تركيبة النظام، وضرورة إيجاد حلول جذرية وليس الاقتصار فقط على الاتفاق على رئيس للجمهورية.

 

وبناء عليه، ومع تقدير الحزب منطقياً لموقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والكتل المسيحية بعد جلسة ١٤ حزيران، أصرّ أمام لودريان على تبنّي ترشيح فرنجية الذي كان خياره قبل المبادرة، التي لم يلمس من الموفد الفرنسي التراجع عنها، إلا أن الحزب لمس من الأجواء الداخلية صعوبة مهمة المبادرة الفرنسية مع عدم إلغائها، ما يعني ان المشهد بات كالآتي: هناك صعوبات موضوعية لم تُلغِ حظوظ فرنجية، وإنما تدل على تراجعها مع ظهور عقبات جديدة أمامه، إلا أن البديل ليس البحث عن مرشح ثالث، وإنما الذهاب الى حوار جذري يحتاج اليه لبنان لمعالجة جميع الملفات، ما يعني أن بدل أن يكون التنازل عن فرنجية للتوافق على رئيس آخر، يكون التنازل عنه لحل مشاكل البلد الجذرية.

 

من هنا، نكون انتقلنا من مبادرة فرنسية لانتخاب رئيس، الى مبادرة فرنسية لرعاية حوار يَفتح الملفات التي تُشكِّل الأزمة البنيوية لهذا النظام…

 

إذاً، من الآن الى حين موعد عودة الموفد الفرنسي وما سيحمله معه الى لبنان، تبقى الأطراف اللبنانية بحالة ترقُّب للتطورات دون إمساك أي طرف بأدوات التحكّم بها، بانتظار المبادرة الفرنسية الجديدة، التي لن تحمل بديل لاسم فرنجية، وإنما ستكون على شكل حوار يؤدي فيما بعد لانتخاب رئيس للجمهورية.