لم يكن استئناف الحوار بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله» حدثاً غير متوقّع، فحاجة الطرفين إلى استمرار العلاقة كانت أقوى من المضيّ في الخلاف والتباعد. خلال الفترة الماضية كان»حزب الله» يراهن على التفاهم مع «التيار»، الى أن باشر ترتيب الموعد، ثم لقاء لم يكن سببه، كما قيل تراجع رئيس «التيار» جبران باسيل عن شرط سحب ترشيح سليمان فرنجية، بل لأنّ «الحزب» أبلغه أنّ فرنجية خيار من ضمن الخيارات التي يريد الحوار في شأنها.
وعلى لسان أمينه العام كان «حزب الله» واضحاً أنّ «شخص رئيس الجمهورية المقبل أساسي عندنا في موضوع ضمانة المقاومة»، وهو ما يفسّر انتقاله من نقطة الجمود عند الاسم الى نطاق الشخص، ما يفتح المجال للحوار حول سليمان وآخرين، وهو ما «شكّل أرضية شراكة في عملية انتخاب الرئيس وأوجد منطقاً جديداً في التعامل»، وفقاً لاعتبار «التيار».
وتقول مصادر «التيار» إنّ «الحزب» طلب استئناف الحوار معه فلاقى تجاوباً بعدما تيقّن من تراجعه عن شرط حصرية الحوار بترشيح فرنجية، فـ»صار فينا نحكي». لقاءان متتاليان عقداه بمشاركة مسؤول وحدة الإرتباط وفيق صفا وآخرين دخلوا على خط العلاقة من خارج الحلقة المتعارف عليها، وصار الكلام يرفع خطياً ويسلّم لصاحب القرار. وما تجنّب «التيار» قوله أفصحت عنه مصادر سياسية أخرى، أنّ «الحزب» أبدى استعداده لتقديم كل ما يريده باسيل مقابل الإنخراط في نقاش حول فرنجية.
انعطف «التيار» عن «الحزب» عندما شعر أنه كسر «الميثاقية» بإعلان ترشيح فرنجية والتمسك به شرطاً مسبقاً للحوار، ثم عاد ورحّب بالحوار حين أراده «الحزب»على فرنجية وآخرين، لكن التطور الجديد لا يلغي استمرار الدعم لترشيح الوزير السابق جهاد أزعور ما دام فرنجية لا يزال مرشح «الحزب». وهذا فحوى ما تقصّد باسيل ايصاله إلى البطريرك الراعي، فزاره لإطلاعه على أجواء استئناف حواره مع «الحزب « وما طرأ من مستجدات «بقيت طي الكتمان». وبالنسبة الى «التيار» كان من الضروري إشراك الآخرين في حواره مع «الحزب» كي لا يشعر هؤلاء بتجاوزهم وهو سينفتح على قوى أخرى للقصد عينه ويتخذ من بكركي مرجعية يبني على موقفها سقفاً يستظله.
منزعج سيد بكركي من المماطلة في تحديد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، ربطاً بالحوار وزيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان. ومثله «التيار» الذي لا يرفض مبدأ الحوار متى كان جدياً ومجدياً وليس مجرد مسعى لتقطيع الوقت، كالحوار الذي تتحدث عنه فرنسا أو اجتماع اللجنة الخماسية المقرر عقده الإثنين المقبل في الدوحة. مجرد انعقاده على مستوى مساعدي وزراء خارجية الدول المشاركة يعني انتقاصاً من مستوى قراراته. وتقول مصادر ديبلوماسية عربية إنّ المجتمعين سيعيدون التأكيد على ضرورة تطبيق ما تبقى من الطائف وعلى مواصفات رئيس الجمهورية وعرض الأسماء المرشحة للمنصب.
ليست مشاركة لودريان في اجتماع الدوحة مؤكدة. وزيارته المملكة قبل الإجتماع فهمت كمؤشر على تراجع الإهتمام السعودي. فالسعودية التي رفضت الخوض في نقاش حول المرشح للرئاسة في لبنان، وشاركت في اجتماع اللجنة في باريس على مضض، ثم حولت اللجنة الخماسية إلى لجنة ثنائية يكاد يكون حضورها في اجتماع الدوحة للصورة فقط. حين سأل أحد الديبلوماسيين العرب في لبنان عن دور بلاده في الإستحقاق قال مبتسماً «عليكم بالفرنسيين».
أمّا محلياً فليس معلوماً بعد، ولا هي مؤكدة عودة لودريان إلى لبنان. تقول المعلومات إنّ عودته محتملة في 24 الجاري، ولكنه لن يحمل جديداً، حيث لا مؤشر على وجود مرشح ثالث للرئاسة، ناهيك برفض بعض القوى فكرة أن يأتي اسم هذا المرشح من الخارج ويسقط على الداخل. وحسب المعلومات فإنّ بحث لودريان في السعودية، وإن تركز على وضع الرئاسة في لبنان، لكنه تطرق الى شؤون أخرى تتصل بمسؤوليات لودريان وموقعه الجديد.
سبب إضافي لغياب تأثيرات اجتماع الدوحة يتمثل في كون القوتين الأساسيتين في الإقليم أي السعودية وايران متفاهمتين على سحب يديهما من الملف الرئاسي وتركه للمساعي الداخلية لتباركاها لاحقاً، بدليل أنّه لا خطوة تسجل لهما بعد على هذا المستوى. وليست تلبية الدعوة إلى الحوار إلا بناءً على تقاطع مصالح ورغبة في تمرير الوقت. فرنسا التي فشلت في مبادرتها في حاجة الى اقتراح جديد يحمله موفدها، والثنائي الذي خرج محرجاً من جلسة الإنتخاب الأخيرة يجد في الحوار سبباً لتأخير الدعوة إلى جلسة انتخاب جديدة غير مضمونة النتائج بدليل قول بري إنّه في انتظار زيارة لودريان ليبني عليها، فلا يكون عندها عرضة للإتهام بتعطيل عمل المجلس النيابي.
وكان باسيل يرافقه النائب جورج عطالله والمستشار انطوان قسطنطين، زار البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في مقرّه الصيفي في الديمان، وعرض معه الأوضاع والاتصالات في شأن الاستحقاق الرئاسي. واكتفى باسيل بالقول: «أترك ما تمّ تداوله في عهدة غبطة أبينا البطريرك. وما تمّ تداوله أهم بكثير من أي كلام للإعلام. وما قلناه لا يقال للإعلام».