كان واضحاً أنّ «ورقة التفاهم» بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر»، عام 2006، كان الهدف منها أن يصل العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة، بدليل أنّه في مؤتمر الدوحة أبلغ «حزب الله» إلى العماد عون، بما يشبه الاعتذار منه، أنّ التسوية أفضت إلى وصول العماد ميشال سليمان، ما كان يعني أنّ العماد عون كان «موعوداً» بالرئاسة كنتيجة حتمية لأحد مفاعيل اتفاق مار مخايل.
لم يًطبَّق من اتفاق مار مخايل، من وجهة «التيار الوطني الحر»، سوى وصول «الجنرال» إلى قصر بعبدا، البنود المتبقية بقيت حبراً على ورق، لا الإصلاحات تحققت ولا المبعدون إلى اسرائيل عادوا أو أعيدوا، تماماً كما حصل بالنسبة إلى تفاهم معراب، الذي لم يتحقق منه سوى إيصال العماد عون إلى قصر بعبدا. تفاهم معراب سقط علناً، وتفاهم مار مخايل سقط ضمناً، والدليل على ذلك أنّ «الحزب» و»التيار» باتا بحاجةٍ إلى «تفاهم جديد» وهو ما يحاولان القيام به مرة جديدة.
لكن ظروف 2023 هي غير ظروف 2006، ما حققه «حزب الله» خلال سبعة عشر عاماً، أكثر بكثير مما حققه «التيار الوطني الحر»، لجهة «النوعية» وليس «الكمية». التيار أخذ «الحصة المسيحية» في التعيينات الإدارية، و»حزب الله» أخذ «السيطرة» في المفاصل الأساسية في الدولة. لم يتحقق الإصلاح بل جرى تقاسم المصالح. بعد سبعة عشر عاماً، اكتشف رئيس «التيار» أنّ ما أخذه زائل شيئاً فشيئاً إذ لا ديمومة او استمرارية لشخص عيّنه في هذا المنصب أو ذاك، في المقابل فإنّ ما أخذه «حزب الله» يتمتع بصفة الديمومة والاستمرارية: دعم الرئيس نبيه بري في التمسك بالتوقيع الثالث، أي حقيبة المالية، الثلث المعطِّل في أي حكومة تتشكَّل، والتمسك بثلاثية «الشعب والجيش والمقاومة» في أي بيان وزاري.
بالإضافة إلى المكاسب المحققة غير المعلنة: من التدخل المباشر، إلى حد السيطرة، على مفاصل أساسية في البلد، من المطار إلى المرافئ، إلى المعابر البرية، الشرعية منها وغير الشرعية.
هل يُقر «التيار الوطني الحر» بأنه «سلَّم» البلد إلى «حزب الله»؟ بمجرد أن يطلب حواراً ليأخذ منه ثلاثة بنود استراتيجية، فهذا إقرار منه بأنّ هذه البنود هي في يد «الحزب»: فاللامركزية الإدارية المالية الموسَّعة، يستحيل أن يوافق عليها «الحزب»، لأنّ شريكه في «الثنائية»، الرئيس نبيه بري، يرفضها، والصندوق الائتماني هناك خلاف كبير حوله، ولا إمكان لتحقيقه قبل انتخابات الرئاسة، أما تحقيق الإصلاح، وهو البند الثالث، فإنّ أقل ما يقال فيه انه ما لم يتحقق على مدى سبعة عشر عاماً، كيف يمكن ان يتحقق في أيام أو حتى في أسابيع؟
يبدو أن رئيس «التيار» جبران باسيل تراجع خطوة في شروط الحوار، فبعدما كان اشترط موافقة «الحزب» على البنود الثلاثة، مع مراسيمها التطبيقية، للقبول بمرشح الحزب، لأنّه من وجهة نظره يصبح تحقيق الشروط أهم من شخص الرئيس، عاد ليقبل بمجرد «تعهد»، ما يعني تطيير «المراسيم التطبيقية»، ربما لأنه اكتشف استحالة تحقيقها فقبل بماء الوجه، أي التعهد. في هذه الحال، فإنّ «التعهد» لا يُصرَف في أي مكان، هل يستطيع أحدٌ أن يحصي عدد التعهدات التي أعطاها طرفٌ لآخر، ولم تتحقق؟
الحقيقة الأساسية التي لا تحتاج إلى نقاش، هي: منذ متى مَن يعتبر نفسه منتصراً يشارك غيره في الإنتصار؟