بقلم د. باسم عساف
قبل إنشاء التيار الوطني الحر، من قبل قائد الجيش المتقاعد، ميشال عون، الذي جاءت به الظروف العصيبة، حيث كانت تمر بلبنان، آخر أيام عهد الرئيس أمين الجميل ، وبقرار الربع ساعة الأخيرة، تم تعيينه رئيساً لحكومة عسكرية ، تكمل الحكم وتمسك بالسلطة، وكانت له المواقف الشعبوية التي قسَّمت حكومته العسكرية، وإنسحب منها القسم الآخر المعارض لشعبويته وإنحرافه الطائفي والفئوي، حيث قام بعدة حروب إلغائية داخلية، مع كافة الفئآت بالغربية والشرقية آنذاك، ثم تطورت معه الفوقية والعنجهية، لتطال قوات الردع العربية، فأدخل لبنان بمتاهات ومشاكسات فئوية ، أتعبت كل اللبنانيين…
حتى وصل به الحال ليقف بوجه العرب والدول الكبرى المتوافقة على إنهاء الحرب في لبنان، عبر عقد مؤتمر الطائف، وكان من أشد المعارضين والمواجهين له ، حتى كان القرار النهائي بإزالته من السلطة التي جمح بها وإخراجه من قصر الشعب الذي تنهد الصعداء من إخلائه وإبعاده إلى فرنسا…
أحد عشر عاماً من إبعاده للخارج، حتى إستقر بعده الحال بلبنان، مع سريان فترة نتائج مؤتمر الطائف، وعادت الأمور في البلد إلى التعايش والوحدة، والإنماء والإعمار مع مسيرة الرئيس رفيق الحريري، وقد دام الأمن والسلام، وإنتعشت الساحة اللبنانية بالحركة التجارية، والإنماء الإقتصادي، والسياحة الجاذبة التي أعطت لبنان روحاً جديدةً بعيدةً عن الإقتتال والأحداث الدامية، التي كان له دوراً كبيراً بتسعيرها وتنقلها من منطقة لأخرى، ومن فئة لمثيلاتها، حتى بات بمواجهة الجميع، خاصة بعد الطائف الذي إجتمع ووافقت عليه كل الفئآت من دونه…
لقد فرح بمشهد الجمع الذي كان يتدفق إلى قصر الشعب، لأجل أن يستمعوا لخطاباته وتصاريحه الطنانة الرنانة التي كانت تدغدغ العواطف والشعور الطائفي والفئوي، ليس ضد قوات الردع فقط، إنما طالت أقواله وأفعاله الصرح البطريركي والبطرك نصر الله بالذات، فكانت له وصمة عار للتعدي على المرجعيات الدينية، وعليه بات مضطراً للتبرير ولتعظيم موقعه وموقفه، فبدأ بتنظيم صفوفه مع العسكريين أولاً، ثم مع المناصرين والأتباع ليشكل منهم تياراً سياسياً وعسكرياً، ليواجه بحروبٍ على كل الجبهات التي فتحها بفوقية، وأطلق عليه تسمية: التيار الوطني الحر وكان على أساسٍ علماني ومن كل الطوائف، ليغطي المآرب والأهداف غير المعلنة، وليبقى في القصر والسلطة، التي كان ينشدها وولهان بها منذ زمن القيادة العسكرية…
بعد العودة من منفاه الفرنسي، وبمسعى من الرئيس سعد الحريري ونسيان الماضي، ليسير بركب الطائف والعلاقات الجيدة مع الجميع، ولدعم مسيرة الإنماء والإعمار على خطى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فقد أعطي هو والتيار موقعاً بين قيادات ثورة الأرز ليتابع المسيرة والخط الجديد الذي تجسد تحت رقم وتسمية (١٤ آذار) حيث غادره بعد حين ليتخذ الموقع المضاد لما كان يتخذه كمبدأٍ له، وفيما كان يحارب الجميع على أساسه، ليجد نفسه وتياره مقرباً مع ممن كانوا أخصاماً وأعداءً له ولتياره، حتى غاص معهم في إتفاقيات ومعاهدات لم تزل حتى تاريخه دون إعلان إنهائها، رغم المستجدات والمتغيرات العديدة على بنودها ومسارها، ويبدو أن المصلحة والوصولية هي الثابتة، لذا كانت سبباً لإستمرارها بالوصول إلى القصر مع العماد عون سنة /٢٠١٦، ولا زالت متَّبعة مع طموح الخلف برئآسة التيار، مع الصهر المدلل والمكلل بالغار ، لقداسة مواقفه، التي تعتمد القاعدة: (خالف تعرف )….
هذه القاعدة قد ورثها الخلف مع موقع رئآسة التيار، التي جاءته على طبق من ذهب، كهدية الولد المطيع الذي عرف خارطة الطريق، في سلوكه للطاعة على عماها، مع قائد عملية (خالف تعرف ، ولينفذها بحذافيرها ، فكان هو يخالف الجميع ، ما عدا العَمّ الرئيس ، مما نال رضاه ، وإطمأن لقبوله في الفكر والقول والعمل ، حيث أخبر القائد الرئيس مع التعطيل الدائم لتشكيل الحكومات بقوله الشهير : (وما تتشكل الحكومة، إذا ما فيها جبران) أو كما قال…
وقد كان يأخذ المقام والوزارة التي يطمح لها معتمداً على تأييد ومساندة أطراف البروتوكول ومن إصطفَّ معهم على قاعدة: خالف تعرف، وفق الهمَّ الأكبر له بالوصول إلى مآربه الرئآسية والوزارية، التي توصله أيضاً إلى المصالح الشخصية المادية ومراكز القوى الشعبوية، التي ينشدها مع تياره على الصعيد الوطني…
سنوات عديدة من عمر الوطن والمواطنين ذهبت سُدى وإستمرت تعطيلاً وهدراً للوقت والمنفعة العامة ، التي خسر بها لبنان هيبته ورفعة شأنه ، أمام كل الدول العالمية والعربية الصديقة، وفقد معها المحبة والعلاقة الطيبة معهم جميعاً من خلال سياسة التيار وقائده خلال عهده المشؤوم، وخلال ممارسة رئيسه الخلف المدعوم، خاصة مع ما يهدف وما يروم، من مصالح وأنانيات لا تدوم، ليسجل دوراً لفكره المزعوم، ليسري على حساب هذا الشعب المظلوم، المضغوط بالأزمات و المكدس بالهموم، خاصة حينما يستخدم مواقفه بالهجوم، لتتصف كل الوجوه بالوجوم، وتشمل كل الفئآت على العموم، بلاءً ومصيبةً نزلت على هذا البلد المحروم…
حرمان لبنان من إكتمال عقد نظامه ومؤسساته في الرئآسة والحكومة بوزاراتها السيادية والخدماتية وفي النيابة ومراكز الكتل وعدد نوابها، وفي التعيينات والتوظيفات بالنوعية والكمية، وفي التشكيلات الديبلوماسية والأمنية، وغيرها الكثير من القرارات الإدارية، وجميعها تعود لأسباب واهية، ومبررات صبيانية، في الطمع وفي التعقيد من صفات الحقد والحسد، حينما يكتشف المرء أن كل شروطها مبنية على الشعبوية والمصالح الشخصية ولو طار البلد وطارت معه صفاته وإنجازاته في العيش المشترك والوحدة الوطنية…
حيث لم يترك منطقة أو طائفة أو فئة ولم تكن له معها مشاكل وأحداث، إذ كانت آخرها بالأمس في طرابلس، حيث طال الضرر أبرياءً كباراً في السن، من صغارٍ أعماهم الغرور والوهن، وقد أطلق على جولته بأنها تنموية، وهي ليس أكثر من تعموية، للفت الأنظار على وجوده في أكثر من منطقة كانت ترفضه وتياره المكَهرِب ، كما كانت له تجربة سابقة، بقدومه إلى طرابلس مع جيش جرَّار من العسكر المرافقين، لينسحب خائباً من دون إستقبال لا رسمي ولا شعبي…
عكس نظيره من رؤساء الأحزاب المعروفين عنده، إذ قام بجولةٍ في شوارع وأسواق طرابلس مع عائلته، وأستُقبِل بالترحاب العارم، والضيافة المعهودة بأبناء هذه المدينة الصابرة والمتسامحة، والمنفتحة على كل الفئآت، وهذا الأمر والموقف الذي يبديه أبناء طرابلس مع الجميع خلال زياراتهم وتجوالهم في أنحاء المدينة، هو وحده يمثل ويؤكد العِبرة له ولطياره الوطنجي، أنه يغرد خارج السرب الوطني…