ليست ذكرى «14 آذار» بالنسبة إلى الحالة العونية مقتصرة على الحدث المتعارف عليه قبل 19 عاما حين كانت تلك الحالة واحدة من مؤسسي ذاك الحدث، ذلك أن هذا التاريخ يختاره «التيار الوطني الحر» كل عام للعودة إلى الأصول قبل 35 عاما، تاريخ «حرب التحرير»، للخروج بمواقف تتعلق هذه المرة بمستقبل الكيان نفسه.
هذا ما يريده التيار ورئيسه جبران باسيل، من إطلالات عديدة اليوم وغدا وبعد غد، للاحتفال بالذكرى المحورية لـ 14 آذار «التي أطلقت الحالة العونية، للخروج بمواقف ونشاطات تترجم المراجعات العديدة خلال السنوات الأخيرة لا سيما على صعيد الشراكة، ومستقبل لبنان، كما على صعيد التجديد التنظيمي حزبيا».
يتحدث التياريون عن مناسبات ثلاث: العشاء السنوي التمويلي اليوم حيث ستكون كلمة لباسيل. حوار شبابي غدا تحت إطار مبادرة «من جيل لجيل» Gen to Gen، «لتبادل التجارب النضالية بين أجياله المتنوعة في تجاربها. ولإظهار القِيَم والخبرات التي اكتسبها وعبّرت عنها الأجيال المناضلة». ويشارك هنا أيضا باسيل ضمن حوار تفاعلي. ثم المؤتمر السنوي بعد غد الذي سُتتلى فيه الورقة السياسية.
إنعكاسات الحرب على لبنان
ستتمايز الورقة السياسية، حسب متابعين، عن كلمة باسيل، بطابعها الحزبي، وستتناول قضايا الوجود والشراكة وأبعاد اقتصادية وإجتماعية كما كيفية تطوير النظام وسد الثغرات فيه، وطبعا ستتناول رؤيتها لحماية لبنان في ظل الحرب الحالية.
على أن باسيل سيلاقيها بدلالات التموضع السياسي إرتباطا بقضايا الساعة. وعلى رأس هذه القضايا الحرب الإسرائيلية وستكون له قراءة في معاني الحرب في غزة وانعكاساتها المحتملة وطبعا للحرب في الجنوب.
وكان لباسيل وللرئيس ميشال عون مواقفهما المتمايزة أخيرا، لا بل المختلفة، عن «حزب الله» في صلب معنى الحرب في الجنوب، من دون التخلّي عن الموقف المعهود بالوقوف إلى جانب المقاومة في وجه أي عدوان. لكن هذا أمر، وتوريط لبنان في الحرب أمر آخر، وهو موضوع لا يأتي سوى لتعميق الهوة بين الجانبين منذ نهايات عهد عون في رئاسة الجمهورية، ما يشير إلى تباين جذري مع الحزب على صعيد النظرة إلى الدولة نفسها وإلى الشراكة بما هو أبعد من مجرد الخلاف على ترشيح لرئاسة الجمهورية.
وبينما يعتقد المتابعون من الجانبين بأن تفاهم مار مخايل بات شبه جثة، الأكيد أن العلاقة بين الحزب والتيار ستظل تتقاطع على ثوابت كبرى بما يميّز التيار عن خصوم الخصم الداعين إلى نزع سلاحه والذهاب في المعركة إلى النهاية معه، علما بأن الحزب لا يريد تصعيد الموقف تجاه التيار وجاءت بادرة زيارته عون في الرابية من هذا الباب.
طبعا هناك قضايا كبرى أخرى قطعت شعرة معاوية بين الحزب والتيار. منها النظرة إلى رئاسة الجمهورية وعدم تقديم الدعم الكافي لعون خلالها، ومنها خصوصا تغطية الحزب إستباحة حكومة (الرئيس) نجيب ميقاتي الدستور والشراكة (الكلمة المفتاح للخلاف) وكل الأعراف، وبات الخلاف على المكشوف من دون مواربة وسيتمظهر بكلمة باسيل الذي كان استهل سلسلة من الهجمات على الحزب وصولا إلى طرحه شعار «عسوى تنبقى سوا».
هذا الشعار الذي يختزن الكثير مسيحيا، يرى التياريون أن على الحزب توجيه السؤال لنفسه عن سبب وصول حليفه المسيحي إلى صياغته، مثلما أن هذا الشعار سيكون محدِدا لعلاقات التيار مع القوى الفاعلة، سواء في الجانب المسيحي أم الإسلامي. أي لا شراكة بلا مساواة ولا وحدة وطنية بلا شراكة، «عسوى متساوين لنبقى معا، أي ربط المساواة كأساس للبقاء معا تأسيسا للنظام السياسي وللدولة»، وبذلك يكون رفع السقف إلى هذا الحد مؤشرا لما وصلت إليه الأمور في هذا الشأن الحيوي والمصيري بين التيار والحزب وغيره.
الإصبع على الجرح
لا يستبعد المتابعون أن تكبر الهوة مع الحزب لكن باسيل سيضع الإصبع على الجرح «بعد أن باتت الاستباحة أمرا واقعا حقيقيا».
على أن الجانب التنظيمي سيوائم ذلك السياسي لناحية دور التيار إزاء المتغيّرات المنعكسة عليه.
وهنا سيكون الانحياز إلى الشباب، وإظهار صورة تجديد لهيكله التنظيمي وربطه بالتحديات التي يعاني منها الناس وتناول المشاريع الاقتصادية والاستشفائية والتمويلية وغيرها، مع تركيز على إظهار تجارب شبابية لمنسقي الأقضية أو اللجان المركزية لناحية ما فعلت وليس فقط ما ستفعل وكيفية التأسيس للمستقبل.
هي فرصة، بالنسبة إلى التياريين، لإعادة لم شمل الأجيال القديمة مع الأجيال الجديدة وتفعيل الإنتساب، ذلك أن الثوابت هي نفسها لكن عبر أشكال مختلفة باختلاف التحديات التي فرضتها الظروف.