يلعب رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل لعبته المفضّلة وهي محاولة شدّ العصب المسيحي. يتحدّث بالشراكة التي هي مطلب حقّ و»يُدغدغ» شعور المسيحيين بالحديث عن شهداء «القوات» و»الكتائب» والرئيس الشهيد بشير الجميّل. ينسج خيوط التواصل مع بكركي التي تُشكّل أكبر مرجعية مسيحية في لبنان والشرق. ويحاول بناء ثقة مفقودة من الطرف المسيحي الآخر.
ينتظر باسيل حدوث تغييرات كبيرة، لكن الثابت في سياسته هو استعداده للتحالف مع الجميع لمنع «الثنائي الشيعي» من فرض مرشّحه المتمثّل برئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، وهذا الأمر يتناسب وسياسة المعارضة المسيحية، ولو أنّ ذلك تبعاً لحسابات كلّ طرف.
لا يمكن إنكار الدور الذي أدّاه باسيل في فرملة وصول فرنجية، فلو قبل ابن البترون ببك زغرتا لكانت معركة «حزب الله» وحركة «أمل» نجحت وسط تأمين الغطاء المسيحي وتشتّت المعارضة وخسارتها معارك برلمانية ليس أبرزها معركة وصول النائب الياس بو صعب إلى سدّة نيابة رئاسة مجلس النواب وسقوط مرشح المعارضة النائب غسان سكاف.
داخل «التيار الوطني الحرّ» أو نيو «تيار»، بعد تحكّم باسيل بمفاصل «البرتقالي»، ثمة رأي جامح دفع القيادة الحزبية إلى اتّخاذ مواقف تُعتبر انقلابية على «تفاهم مار مخايل». وتنطلق هذه المواقف ليس فقط من صراع على السلطة أو استكمال المبارزة بين «التيار» و»القوات»، فالجميع سلّموا بأنّ «القوات» صارت الرقم الأول مسيحياً، بل تتّخذ هذه المواقف بناءً على مقاربات مختلفة تبدأ بدور «التيار» ولا تنتهي بما وصل إليه الواقع المسيحي.
وفي الأوساط العونية أو الباسيلية نقمة على «حزب الله» أو بالأحرى خيبة أمل، فـ»التيار» منح «حزب الله» ما لم يمنحه أحد، وكانت النتيجة تزكيته فرنجية رغم علمه مدى الحساسية التي يُشكّلها لباسيل. وما يدور في أروقة «التيار» هو إجراء نقد ذاتي للمرحلة الماضية، بُني على العوامل الموضوعية التي وصل إليها وضع «التيار» والمسيحيين. فالرئيس ميشال عون لم يعد في بعبدا، وباسيل تعرّض للعقوبات الأميركية، وخصوم «التيار» في الشارع المسيحي يتقدّمون، وبالتالي كان لا بدّ من إجراء نقلة نوعية في المواقف.
هذه العوامل ساهمت في تبديل المواقف، إلّا أنّ هناك شقّاً مسيحياً وليس سلطوياً لم يستطع باسيل مواجهته، وظهر كنواة «لوبي» داخل «التيار»، ويتمثّل باستفاقة مسيحية ولو متأخرة تدافع عن الشرعية وتقف في وجه تصرفات «حزب الله» وليس آخرها جرّ البلاد إلى حرب يمكن أن تكون مدمّرة، فلو استمرّ باسيل في سياسته الملاصقة لـ»الحزب» ومنحه الغطاء المسيحي، لكان الرأي العام المسيحي الذي لا يزال مع «التيار» تركه وانتقل إلى الضفة الأخرى وبقي باسيل وحيداً. وتحاول «كوادر» عونية محسوبة على باسيل، تقوية خطاب الخوف على الوجود والدور، فهناك جزء من القيادات العونية يدعو إلى مصارحة ومصالحة مسيحيّتين وكسر كل الحواجز، واستمرار الخلاف على ما هو عليه سيؤدّي إلى قضم الدور المسيحي وتغييبه. وما ساعد على تنامي هذه الفكرة هو تثبّت باسيل من كيفية تصرّف «حزب الله» معه رغم كل التقديمات التي منحها لـ»الحزب»، وهذا ما دفع إلى التفكير جدياً في سؤال: إلى أين نحن ذاهبون كمسيحيين؟ فـ»الحزب» يفضّل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على «التيار»، ويعمل وفق أجندة الرئيس نبيه برّي الداخلية.
قد يُشكّل وقوف «حزب الله» مجدداً على خاطر باسيل رئاسياً مناسبة لتصحيح الخلل في العلاقة، لكن عودة الأمور إلى مجراها في وقت قريب صعبة للغاية، فإذا عاد باسيل إلى حضن «حزب الله» سيعود وحيداً بلا المسيحيين الذين باتوا في مكان آخر، لذلك يحاول باسيل السير وفق متطلبات الشارع المسيحي، وإلّا فحجم الخسارة والاستدارة سيكون مكلفاً هذه المرة بعد تناقص رصيد «التيار» شعبياً.