مضحكٌ مُبكٍ رفض جبران باسيل في إفطار «التيار» الجبيلي «حرب المُشاغلة» فيما هو يجبن عن الانفصال عمَّن زجّ لبنان فيها، ولا يجاريه عبثيةً إلّا إعلان نجيب ميقاتي أمام السفراء الأجانب أنّ الجنوب منطقة منكوبة تستحق أن نتسوّل عليها، بدل أن يحميها بقوة الموقف المتصدّي لتوريطها.
ظاهرُ كلام الرَجلين المسؤولَين ممتاز، لكنّ المضمون مخجلٌ وضارّ كونه يحرف الأنظار عن حقيقة الأوضاع، ويراوغ ليصبّ في مصلحة «ثنائي المُشاغلة» ومعركة محور طهران.
يفرض احترام المقامات أن نبدأ برئيس الحكومة الذي لم يجد منذ بدأ «حزب الله» حرب مساندة «طُوفان الأقصى» ما يقوله للناس سوى ترداد لازمة هزيلة تطالب مجرمِي الحرب الإسرائيليين بوقف النار أولاً في غزة كي تتوقف في لبنان. فغطّى بذلك مبادرة «الحزب» بإطلاق حربه في 8 أكتوبر، وكأن لا حكومة موجودة ولا مؤسسات، أو كأنه مجرّد ناطور «على باب الله».
ما مارسه ميقاتي ليس واقعية سياسية ولا تدوير زوايا. انهزامٌ منحاز لا يتواءم مع موقع رئيس حكومة يمثّل سنَّة لبنان ويمتلك صلاحيات الرئيس المسيحي، لأنّ واجبه درء الخطر عن المواطنين والحؤول دون إدخال البلاد في أتون النار، ويتحتم عليه احترام الميثاقية والتوافق في غياب رئيس الجمهورية.
لا يفسِّر رمادية ميقاتي سوى تمسّكه بالسلطة واستمتاعه بالتوقيع المزدوج تحت عنوان «المَسكنة» لتسيير الأعمال. وهو إذ يضع ضمن أولوياته استرضاء «الثنائي»، فإنه يتجاهل الشراكة الوطنية ورفض أكثرية اللبنانيين حصر قرار السلم والحرب في يد «حزب الله»، أو استنكارهم خوض حرب غير متكافئة معروفة النتائج. كلّ ذلك وشهداء غزة تجاوزوا الـ33 ألفاً، وثلثا وحداتها السكنية خراب، فيما تحترق القرى والبلدات الجنوبية وينزح أهلها إلى مراكز إيواء لم تجهّزها دولة نهبها الزعران، ولا مقاومة تعتبر ما عداها أضراراً جانبية.
نعم، أراضي الجنوب الزراعية منكوبة بالعدوان الفوسفوري الإسرائيلي، لكن عنوان نكبتنا هو منظومة لم تكتفِ بتدمير المؤسسات، بل سمحت أيضاً بالانزلاق إلى محظور المواجهات بالصواريخ والمسيّرات.
أما المسخرة فعند رئيس «التيار» الذي أفطَر على معزوفة ابتزاز «حزب الله» بسحب غطائه المسيحي المهلهل عنه، ليَسقط في خانة الذين سخر منهم السيد نصرالله في «يوم القدس»، داعياً بيئته إلى تجاهلهم كون حربه تقاس بحسابات كبرى وليس بزواريب جبران.
صار معروفاً أن لا مواقف مبدئية لوريث عقلية التقلّب والانقلابات. رفضُه حرب المساندة أبعد ما يكون عن سياسة مسؤولة في زمن الشدّة. ظاهرُه حازم، وعمقه عفِن مراوغ ما دام متمسكاً بـ»ثلاثية» جرّت الانقسامات، وممالقاً «الحزب» باعتبار سلاحه قوة للبنان. وهو بذلك لا يخدم المسيحيين الذين يطالب بشراكتهم في القرار ولا سائر اللبنانيين الذين لا يطمحون إلّا لعودة الدولة وامتلاك جيشها وحده السلاح.
بين ميقاتي وباسيل شراكة حكومية وخلافات تعكّرها المحاصصات، لكنهما على وئام وانسجام حين يغطّي كل منهما بأسلوبه الخاص مصالح «حزب الله». هو يشاغل إسرائيل بالكاتيوشا و»البركان»، وهما يشاغلان اللبنانيين بالتخلي والخداع.