من المفترض ان يحسم عضو تكتل “لبنان القوي” النائب ابراهيم كنعان قراره لجهة الاستقالة من “التيار الوطني الحر” الاسبوع المقبل، مع نفاد مهلة اسبوع التي طرحها باطار مبادرة لاعادة لم الشمل. فكما كان متوقعا لم تتعاط قيادة التيار بايجابية مع هذه المبادرة التي كان سبق ان طرحها قبل اصدار قراري فصل النائبين الياس بو صعب وآلان عون.
فقد وصل رئيس التيار النائب جبران باسيل الى قناعة منذ فترة، وبعد اكثر من لقاء ونقاش مع النواب “المتمردين” داخل “الوطني الحر” ان لا مجال لاصلاح الامور، وان المطلوب معالجة جذرية على شكل “عملية جراحية” ارتأى اللجوء اليها في توقيت اعتبره الانسب للحد من الخسائر، خاصة في ظل انشغال الداخل اللبناني بالشأن الامني والعسكري والهواجس المتفاقمة من الحرب الموسعة. وكان باسيل يعي ايضا ان هذه العملية لن تمر مرور الكرام، وانها ستكبده خسائر لا يزال يعتقد انه قادر على تكبدها، لاعتباره ان خسائر ابقاء الوضع الداخلي الحزبي على حاله ستفوق اي خسائر اخرى مستقبليا.
وبعد ان بردت قليلا النفوس، يمكن اليوم تبيان حجم الخسائر الحالية وابرزها:
– اولا: سقوط اي نقاش بخصوص التكتل النيابي والمسيحي الاوسع، بعد ان رسّخ تكتل “الجمهورية القوية” نفسه الاكبر على المستويين، وتراجع تكتل “لبنان القوي” من 21 الى 16 ونواب “الوطني الحر” الى 14 . علما ان هذه الارقام قد تنخفض ايضا مع استقالة كنعان المرتقبة. ولا يمكن المرور على خسارة من هذا النوع مرور الكرام في مرحلة هي الاخطر التي تمر على المسيحيين كما على اللبنانيين.
– ثانيا: رغم كل ما يحكى عن ان تداعيات خروج النواب الحاليين، ستكون مماثلة لخروج سواهم في فترة ماضية، الا ان حيثية النواب الحاليين اكبر من سواهم. وتؤكد كل المعطيات وجود حالة تململ وتضعضع في القاعدة العونية ، وبخاصة في المناطق التي يمثلها هؤلاء. فبالاضافة الى تقديم العشرات استقالتهم مباشرة، فان عشرات آخرين قرروا التعبير عن انزعاجهم الكبير بالانكفاء، وهو ما سيتجلى في الانتخابات النيابية المقبلة. ولم يعد خافيا ان قيادة “الوطني الحر” تنكب راهنا على استيعاب هذه التداعيات، وتحاول تبرير ما قامت به من خلال مواصلة الحملة على النواب الخارجين، رغم التزامهم الصمت.
– ثالثا: على صعيد احتمال تبلور تكتل نيابي مسيحي ثالث بمواجهة “الجمهورية القوية” و”لبنان القوي” يؤمن غطاء مسيحيا جديا لرئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية في مرحلة ما، في ظل الرفض القاطع للعونيين والقواتيين التصويت له. ما يعني تمرير خيار رئاسي لا يرضى به باسيل، رغم ما ينقل عن فرنجية رفضه ان يصل كمرشح تحد، ويكون مصير عهده مماثلا لمصير عهد الرئيس السابق العماد ميشال عون.
وبمقابل كل هذه الخسائر، لا يمكن الحديث الا عن مكسب واحد من هذه العملية، الا وهو اعادة ضبط الايقاع داخل التيار، وفرض القيادة سيطرتها وقرارها من دون اعتراضات علنية، خاصة مع اعتبار كثيرين ان عملية مماثلة كان ليكون لها صدى اكبر بكثير، وتهدد فعليا كيان “الوطني الحر” لو لم تحصل ببركة وحضور ومواكبة وغطاء مؤسس التيار الرئيس العماد ميشال عون.
بالمحصلة، مرحلة دقيقة جدا يعيشها العونيون راهنا، سيكون لها تداعيات كبيرة على المشهدين المسيحي والوطني، وبخاصة بعد انتهاء الحرب وانصراف القوى السياسية لاعادة ترتيب تحالفاتها.. وحتى ذلك الوقت لا صوت يعلو فوق صوت التفجيرات والمعارك.