عاد رئيس “التيار الوطني الحر” لاعتماد السقف المرتفع بخطاباته ضد حزب الله وجبهته في الجنوب، فعلى الرغم من أن الموقف من جبهة الإسناد ودور لبنان في هذه الحرب، والذي أعاد التيار التأكيد عليه أول من أمس على لسان رئيسه جبران باسيل، ليس بالجديد من الناحية العملية، حيث انه منذ الأيام الأولى للحرب الحالية في المنطقة وإطلاق المقاومة في لبنان حرب إسناد لغزة، يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول فتح جبهة الإسناد من قبل حزب الله، إلا أنه لا يمكن تجاهل الإصرار على إعادة التأكيد على هذا الموقف في هذا التوقيت، حيث تتوسع مروحة الهجومات التي يتعرض لها الحزب، لا سيما بعد الرد الذي قام به على اغتيال القيادي العسكري في الحزب فؤاد شكر.
داخل قوى الثامن من آذار يمكن الحديث عن وجهتي نظر من مواقف “الوطني الحر”:
– الأولى تؤكد على ضرورة فصلها عن مواقف باقي القوى المعارضة للمقاومة، على قاعدة أن التيار لا يزال يؤكد وقوفه إلى جانبها في الشق المتعلق بالدفاع عن لبنان، وأن المعارضة تنطلق بمقاربتها لعمل المقاومة من حقد سياسي، وأحياناً من دعم للعدو لضرب المقاومة وتدميرها.
– الثانية ترى أن التيار يريد أن يتمايز داخل لبنان لخدمة مشاريع سياسية مستقبلية، في حين أن الجميع يدرك صعوبة الفصل بين الجبهات، ومن هؤلاء التيار نفسه، في ظل ما تتعرض له المنطقة من مخططات.
وعلى الرغم من ذلك، هناك قناعة بعد عمليات الفصل والاستقالة من “الوطني الحر”، أن رئيسه جبران باسيل يريد التركيز على استعادة شعبيته في الشارع المسيحي، من دون أن يذهب إلى قطع العلاقة بشكل كامل مع قيادة حزب الله، لكن مصادر 8 آذار تلفت إلى أنه من الناحية العملية، فإن باسيل من خلال مواقفه من حزب الله ومواقف سياسية أخرى، يغامر بخسارة الأمرين معاً، فهو لن ينجح في التأثير في الفئات المعارضة للحزب داخل البيئة المسيحية، خصوصاً أن تلك الفئات لديها من يذهب أبعد منه في الموقف، كـ “القوات اللبنانية” مثلا، وهي أصلاً تحمّله مسؤولية تنامي نفوذ الحزب، عبر “تغطيته” مسيحياً طوال السنوات الماضية منذ توقيع تاريخ التفاهم في مار مخايل.
أما بالنسبة إلى العلاقة مع حزب الله، فبالرغم من أن الحزب لم يذهب إلى الرد عليه من خلال النواب والمسؤولين أو حتى على وسائل التواصل، فإن ذلك لا يلغي الأضرار التي تلحق بالعلاقة بينهما، تضيف المصادر، والتي لن يكون من السهل معالجتها، خصوصاً أن توقيت مثل هذا التمايز لا يمكن الاستهانة به، وربما يُفسر على أساس أنه من ضمن الضغوط المتعددة التي يتعرض لها الحزب على المستوى الداخلي، الأمر الذي سيكون من الطبيعي أن يؤثر بالعلاقة في المستقبل.
عندما طلبت الصين عبر سفارتها في لبنان مغادرة رعاياها، تواصل أحد الديبلوماسيين في السفارة مع حركة “أمل” وحزب الله وأبلغهما أن الإجراء طبيعي جدا، ويهدف الى حماية الصينيين، وشدد على ضرورة ألا يُعتبر نوعا من انواع الضغط السياسي الذي تمارسه أطراف محلية وخارجية على المقاومة. ولكن بالمقابل، من كانوا حلفاء للمقاومة يشاركون اليوم في فرض الضغوط السياسية عليها، وهذا سيترك آثاره في كل العلاقات مستقبلاً، ففي حين يدافع وليد جنبلاط عن المقاومة ودورها وأهمية ما تقوم به، يهاجمها جبران باسيل.
إستقالة كنعان من “الوطني الحرّ” ستطلق العنان لخضّة داخل التيار العوني – صونيا رزق
على الرغم من محاولة نائب “التيار الوطني الحر” ابراهيم كنعان لمّ شمل “التيار”، بعد فصل النائب الياس بو صعب واستقالة النائب سيمون ابي رميا، مع ما سبقه من إقالة لعدد من النواب السابقين والمسؤولين والمعارضين المؤسسين، الذين خرجوا بمعظمهم إن عبر الاستقالة او الفصل، وعقده مؤتمراً صحافياً منتصف الشهر الجاري مطلقاً شعار” قوتنا بوحدتنا”، لكن كل هذا لم يلقَ تجاوباً من النائب جبران باسيل، ولم يفعل الشعار المذكور فعله بجمع المتخاصمين، لتسوية الوضع وإعادة ترتيب البيت الداخلي، والتراجع عن الإقالات والاستقالات وعقد طاولة حوار، بالتزامن مع موجة من استقالة مسؤولين واعضاء خصوصاً في قضاء جبيل، رفضاً لاستقالة نائب المنطقة سيمون ابي رميا.
الى ذلك، اتخذ كنعان قرار الاستقالة من التيار حيال هذا الرفض، بعدما حاول تقديم ما فيه الخير من خلال مبادرته الايجابية، كما جاء في بيان استقالته، لكن حساباته جاءت خاطئة ظنّاً منه انها ستلاقي رضى باسيل، فيما لم تصل الى الخاتمة السعيدة، بل أطيحت على الفور مع صدور بيان بأقصى سرعة عن اللجنة المركزية للاعلام والتواصل في “التيار الوطني الحر” يدعوه الى الانضباط، في حين كان ينتظر جواباً إيجابياَ يضع حدّاً لخسارة ثلاثة نواب، ويوم امس اصبحوا اربعة مع استقالة كنعان، التي ردّت عليها القيادة على الفور بالإشارة الى “انّ مجلس الحكماء استدعاه أول من امس، وبعد رفضه الحضور ثلاث مرات متتالية الى الهيئة السياسية، على الرغم من تبليغه الدعوة وتحديد الموعد له نهار غد الجمعة مع رئيس التيار، اختار كنعان أن يقدّم استقالته في الاعلام، على أن يصدر “التيار” المعلومات التفصيلية عن الموضوع لاحقاً”.
في غضون ذلك، يُحكى في الكواليس بأنّ نائبين من التيار يستعدان للاستقالة بسبب تدهور علاقتهما مع باسيل منذ فصله النائب ألان عون، ما يهدّد بمزيد من الشرخ والانقسام الداخلي، وفق ما يرى معارضون لباسيل خرجوا من “التيار” منذ سنوات، وبعضهم تمّ فصله على خلفية انتقاده لسياسة القيادة، ولم تفلح محاولات تغطية أو تخبئة ما يحصل، معتبرين انّ باسيل “لم يترك للصلح مطرح”، وهدفه الإمساك بالتيار من كل حدب وصوب، للوصول الى غياب كلي للممانعين والرافضين، الذين باتوا يشكلون صقوراً بنظره، فيما هو يفضّل الحمائم الذين لا يوجعون الرأس، أي لا يناقشون ولا يخرجون من عباءته، لذا يرفض اي طرح او مبادرة تحت حجة عدم قبوله تناول شؤون “التيار” في العلن.
كما دعا معارضو باسيل الى انتفاضة داخلية تعيد أمجاد “الوطني الحر” الى سابق عهده، لانّ ما يجري تخطى المعقول، مع توقعهم بأنّ تؤدي استقالة كنعان قريباً الى خضّة داخل البيت العوني، والى استقالات جماعية لانه من النواب المحبوبين جداً، فهو “شغّيل” خصوصاً في المجلس النيابي، اذ يرأس لجنة لجنة المال والموازنة، ويتولى أمانة السر في تكتل “لبنان القوي”، ويقدّم خدمات كثيرة في مناطق المتن.
في السياق، يشير القيادي السابق في “التيار” نعيم عون لـ “الديار” الى أنّ مشاكل نواب “التيار” الى تفاقم مع باسيل، والأيام المقبلة ستؤكد ذلك، لذا لم يعد الوضع مقبولاً، وهنالك قرارات ستتخذ وستصب في خانة المعارضة، كاشفاً عن لقاءات تحصل بين النواب المفصولين والمسؤولين السابقين اي المعارضين القدامى، لكن لا يمكن أن نكشف ما يدور في هذه الاجتماعات للإعلام “لأنو بعد بكير”، وهنالك تحضيرات ومناقشات وجهوزية مرتقبة، وبالتالي فكل الأفكار واردة لكنها غير مكتملة بعد، وقال: “من جهتي التواصل معهم قائم منذ سنوات، وهم كنواب يدرسون معركتهم ضمن أسلوب معيّن”.
وحول إمكان تشكيلهم كتلة نيابية جديدة، أشار الى أنّ الفكرة مطروحة، لكن التشكيل لن يكون قريباً، فكل هذا يحتاج الى دراسة.