IMLebanon

باسيل يلحسُ المبرد و«الخِراجُ» لجعجع!

 

نُشِر في بعض وسائل الإعلام أن النائب جبران باسيل أرسل إلى قيادة حزب الله، قبل أيام، أن الحزب إذا أراد أن تعود علاقته بالتيار الوطني الحر إلى سابق عهدها فينبغي أن لا يستقبل النوّاب الأربعة المفصولين من «تكتل لبنان القوي»، فكان جواب الحزب سريعاً أن أحداً لا يمون على الحزب في مَن يستقبل أم لا…

إذا كان هذا الخبر صحيحاً فمعنى ذلك أن جبران باسيل يظن نفسه من آل فرفور وذنبه مغفور مهما قال وفعل وتغيّر وتبدّل وأعلن وصحح الإعلان، وأنه يعتقد نفسه قادراً على إحاطة النواب الأربعة إلياس بو صعب وآلان عون وسيمون أبي رميا وإبراهيم كنعان بستار من المَنع والتحجيم.

 

قضية النواب الأربعة لم تعد خافية في ملابساتها على أحد، ولو أن التفاصيل الداخلية الدقيقة ما تزال محبوسة في صدورهم ولا يريدون إطلاقها وفضحَها حتى لا يُصاب برصاصها المعنوي «القائد الأعلى» للتيار الرئيس ميشال عون الذي سلّم جبران القيادة وأطلَق يده في التحكّم بمجريات الأوضاع وحتى بالأشخاص الذين قد يتوجّس من تحركاتهم ومواقفهم ولو بالشّبهة، ولم يكن أحد يظن أنه قد يصل إلى هذه المواصيل التي يتخلّى فيها، بطريقة شخصانية، عن أربعة من أكثر النواب نشاطاً وحيوية في «أشغالهم» النيابية ومواقفهم السياسة، بطرفة عين، مدعوماً طبعاً من عون، ومُغطّى بالنظرية العونية القائلة بأن «القيادة العسكرية»، تقول أن الإمرة لواحدٍ، كضابط أعلى، وعلى غير الموافقين على أوامره أن يُنفّذوا ثم يعترضوا.

 

إعترض النواب الأربعة، فأُبعدوا بعد تركيب باسيل ملفّات لهم جهّزها ويجهّزها، ليكون بمنأى عن الامتعاض الداخلي في التيار خصوصاً من جمهور هؤلاء النواب الذي انتخبهم للنيابة، حيناً بسبب انتمائهم للتيار وحيناً بسبب أشخاصهم وهم من الذين يحتفظون بسيَر ذاتية محترَمة. ولم يكن جبران باسيل في هذه «السياسة» غريباً عن أورشليم اللبنانية في الأحزاب التي يعمَد رؤسائها إلى «التنظيف» حولهم من كل من يمكن أن يشكّل عائقاً لهم في كل ما يتخذونه من «نشاط»، وإذا راجعنا ماضي الأحزاب اللبنانية، حزباً حزباً، سنجد هذا «التنظيف» قائماً، أيام الحرب التي أكل بعضهم فيها رفاقه، أو في السلم.. وقد فرغت كل الأحزاب والتيارات من أحد يعارض رئيسها وسلّم الجميعُ بهذه «القاعدة».

جبران باسيل، اليوم، على ما يبدو لا يريد في التيار قيادات وشخصيات عاصرت الرئيس عون وصادقته وضحّت معه وتعرفه معرفة وثيقة وخاصة كي لا يكونوا في موازاته قرباً من رئيسهم. يريد أشخاصاً للنيابة والوزراء في ذاكرتهم «بطولاته» هو و«مشاريعه» هو، وعواطفهم أقرب إليه لتعاطيه معهم من قُرب، لا إلى «الجنرال» غير القادر منذ سنوات على لقاء الجميع. ولا يظنّن أحد أن مسألة العمَل على الذاكرة وتفريغها من بعض معطياتها لصالح معطيات أخرى هي ضرب من الخيال، بل هي الواقع بعينه. وتعالوا نستعرض مَن مِن المحازبين اليوم في أي حزب يتذكّر «القائد الأول» بنسبة ما يتذكر «القائد الثاني» الذي سيصاب بعقدة التساوي مع بعض المقربين من «الأول» فيعمَد إلى التخلص منهم، ولكن دائماً باسم القوانين الحزبية الداخلية، وغير ذلك.

لكنّ جبران الذي قضى حياته السياسية يتحدّث عن الأعداد، عدد الوزراء، عدد النواب، وعدد الموظفين الواجب استعادة حقوق الطائفة بهم، لا ينتبه أنه يتخلّى عن أربعة نواب كانوا يجعلون كتلته من أكبر الكتل النيابية، وتالياً فإذا كان موعد الانتخابات الرئاسية قبل موعد الانتخابات النيابية (والله أعلم) فالذهاب إلى مجلس النواب باثني عشر نائباً لن يَفرِق عن ذهاب أي كتلة أخرى من وزنها، ويصبح هامش المناورة التي يتقنها باسيل، ولكن بفظاظة، أضيق. هذا إذا اعتبرنا أن حلمه بالرئاسة حالياً قد أصبح وراءه، أما إذا كان لا يزال يحلم والوقائع حوله كلّها تغالطه، فلنا عودة إلى آل فرفور لنفهم سلوكياته.

قال باسيل علناً أن هناك تنبيهات أُصدِرَت إلى المحازبين بألّا يقوموا بأي نشاط على مواقع التواصل الاجتماعي ضد النواب الأربعة الذين قيل أنهم ضحكوا طويلاً عندما سمعوا باسيل يردد هذه التنبيهات في التلفزيون، وقناعاتهم ثابتة بأنه ساعة يريد، «يقِبّ باطاً» لجمهور التيار فيهجم هجوماً كاسحاً، وقد شهِدوا بأنفسهم على مرات كثيرة كان فيها جبران يطلب التروي والهدوء في الإعلام، ومن تحت الطاولة يسرّب إلى مناصريه الهجوم فينال مبتغاه تحت عيون تصريحاته التهدويّة.

من نافل القول إن جبران اليوم سعيد بما جرى ولا يشعر بأي غبن لحق بالنواب الأربعة، لا بل يعتبر أن «درس» طرد نواب بحجم هؤلاء سيُعلّم الباقين. وبات في هذه اللحظة السياسية داخل التيار لا يسمع أحداً يتحدّث بما قال الجنرال وما فعل، أو سيفعل، بل بما يريد جبران أن يفعل. مع أن ما فعَلَه باسيل يُرى لدى البعض كمن يلحس المبرد، ويقولون أنه عما قريب سيعرف ما ارتكَب!

«أفظع» ما يقال عن جبران باسيل أنه مثل عمّه الرئيس لا صاحب له في السياسة. فبعد «وثيقة التفاهم» مع حزب الله شطَب عون هذه النقيصة وبات الناس يتحدثون عن جرأته في تخطي المحظورات التي كانت في بيئته تجاه الحزب، ثم جاء الدكتور سمير جعجع فذلّل له بعضَ الطريق إلى الرئاسة الأولى وأكمل التذليل الرئيس سعد الحريري فبات الطريق مشرّعاً أمامه، لكن سرعان ما تنكّر لجعجع ثم للحريري وحين أكمل عهده كان التنكّر لحزب الله قد اكتمل فصولاً.. فعاد إلى بيته متخففاً من أي عون أو تحالف. ولا ينسى لبناني ماذا فعل له التحالف مع حزب الله من مكاسب في الحكومات التي كان حزب الله يضع شرطاً لدخولها هو رضا التيار عن حجم مشاركته، وفي الانتخابات النيابية التي كان الحزب يمهد له الأرضية لنيل أقصى ما يستطيع من النواب، وآخرها الانتخابات النيابية الأخيرة التي يُحكى عن ستة نوّاب له وصلوا برعاية الحزب.

الانتخابات البيانية على الأبواب، فإذا كان جبران باسيل يعتقد أنه سيكون من آل فرفور فيها مجدّداً، مع الحزب، أو مع الرئيس نبيه بري الذي يراقب خطوات باسيل في التقرّب إليه، بذكائه المعروف وطول أناته، يكون لحسُ المبرد قد قضى عليه.

السعيد الأكبر في «طرد» النواب الأربعة لا شكّ أنه الدكتور سمير جعجع الذي منعَ نوابه وإعلامه من التطرق إلى الموضوع حتى لا يفسّر كلامهم شماتة يمكن أن تشد أواصر التياريّين. وقد يكون وضعُ جعجع اليوم كوضع هارون الرشيد عندما قال للغيمة فوقه: إذهبي أنّى شئتِ فإن خِراجَك سيعود إليّ.