أصابت السفيرة الأميركية دوروثي شيا بيت القصيد عندما قالت بالأمس ردّاً على الوزير السّابق وصهر العهد جبران باسيل أنّه «يبدو أنّ الجميع يريدون معرفة ما هي الأدلّة التي كانت في الملفّات التي ادّت الى فرض العقوبات عليه (على باسيل)»، وأوّل السّائلين المطالبين بإرسال هذه الأدلّة إليه الرئيس اللبناني «عمّ جبران» مع أنّه في هكذا حالات ينأى المعنيّون وذوو القربى عن هذه المسائل لأنّها تجرح مصداقيتهم، ولكنّ الرئيس يريد تحويل هذه الأدلّة على القضاء اللبناني، خصوصاً القضاء الذي يستنجد به لحماية مناصبه وتعطيله أيضاً التعيينات القضائية، وهذا كلّه من حيث «المبدأ» اللبناني!
من المؤسف أن يسيطر منطق يذهب في استخفافه لعقول اللبنانيين إلى أبعد الحدود، وهو منطق «ما في إثبات»، وهذا منطق «ممانعجي» أصيل ومنذ العام 2005 يتكرّر على مسامعنا بانتظام رهيب، منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وفي كلّ لقاء أجرته الصحافة أو محطات التلفزة الأجنبيّة مع الرئيس الجزّار بشّار الأسد وطُرِحَ عليه السؤال هل أنتم متورّطون في جريمة اغتيال الرئيس الحريري كان يجيب بمنتهى العنجهيّة، لا يوجد دليل على أننا قمنا بهذا العمل، هكذا إجابة تجعل الأمر كافياً ليسود منطق «عدم وجود دليل»!
بالأمس وعلى عجلة من الأمر سارع مكتب جبران باسيل الإعلامي إلى الردّ على السفيرة الأميركيّة ولكن على طريقة بشار الأسد وحسن نصرالله وجماعة إيران من كبيرهم إلى صغيرهم، أوّل سقطة ارتكبها البيان كانت في تصديره القول: «أعطت السفيرة الأميركية في بيروت برهاناً على انه لا توجد إثباتات على الاتهامات الموجهة لرئيس التيار بالتورط في الفساد وذلك بإعلانها أن المعلومات التي تم الاستناد إليها غير قابلة للنشر»، همّ باسيل الأساسي هو قول هذه الجملة « لا توجد إثباتات»، من المؤسف أن تكون أمور الفساد في لبنان بلغت هذا الحدّ المخيف من عدم الحياء من أيّ أحد!!
قد تكون إشارة السفيرة الأميركية دوروثي شيا التي وجهتها ساخرة من تذاكي شخص يفترض أنّه كان وزير خارجيّة ـ بالرغم من عدم فهمه في التخصص الديبلوماسي وعلوم السياسة الخارجية ـ تلقّى تذاكي باسيل صفعة قويّة وهزّة عصا فاضحة تقضّ مضجعه ومضجع تيّاره وربمّا رئيس الجمهورية بصفته عمّه وفارضه على الحياة السياسيّة، سخرت شيا بديبلوماسيّة فجّة فاضحة للذين يكذبون على الجميع ويدّعون صدقاً ومصداقيّة فقالت: «قد يظن السيد باسيل أن تسريب معلومات إنتقائية خارج سياقها حول نقاشنا المتبادل يخدم قضيته. هذه ليست الطريقة التي أعمل بها عادة، لكنني سأكشف شيئًا واحداً.. هو نفسه، أعرب عن الاستعداد للانفصال عن حزب الله بشروط معينة. وفي الواقع، فقد أعرب عن امتنانه لأن الولايات المتحدة جعلته يرى كيف أن العلاقة هي غير مؤاتية لـ«التيار» حتى أن مستشارين رئيسيين أبلغوني أنهم شجعوا السيد باسيل على اتخاذ هذا القرار التاريخي»!!
فليقل جبران باسيل ما يريد أن يقول، فليتبرّأ من كلام السفيرة الأميركيّة، ولكن هل يعتقد ولو للحظة أنّ «أهل التقيّة» الذين استخدموه وتياره ومن وراءهما طوال السنوات الماضية استطاع هو أن يستفيد منهم حتى حصولهم على رئاسة الجمهوريّة، العهد في آخر أيّامة، و«أهل التقيّة» استنفذوه حتى آخر قطرة من دمه، وهم يعرفون جيّداً أن باسيل سيبيع نفسه لمن يشتريه في سوق السياسة، فقط على باسيل أن يسأل السفيرة الأميركية إن كانت تمتلك تسجيلات صوتية أو مرئية لأقواله العظيمة عن القرار التاريخي الذي سيتخذه عندما يتخلّص من تحالفه مع حزب الله، شخصياً كلّي ثقة أنّ هذا النوع من المحادثات يتمّ توثيقه، وهذا ما أشارت السفيرة الأميركيّة فيه إلى الوثائق التي لا تنشر!