ليست المقالة في معرض استدراج كل محطات تخبّط رئاسة الجمهورية كما بدت في المقابلتين المتلفزتين لمستشار رئيس الجمهورية لشؤون العلاقات العامة طوني حداد مع الإعلامي هشام حداد عبر تلفزيون الـ«أل بي سي» ومع الإعلامية نانسي السبع عبر تلفزيون “الجديد”… إلّا أن من يشاهدها، يلمس واقعاً متضعضعاً للتراتبية المفروضة في القصر، ويرسم، لاإرادياً، صورة مؤسفة يترأس فيها الوزير السابق جبران باسيل “الحاشية”، ويكون ممراً إلزامياً وإجبارياً للمراسيم الجمهورية والقرارات وأي معادلة سياسية في لبنان في هالةٍ تؤشر بوضوح إلى تصدّع النظام المعهود لمجريات الأمور خلف الأبواب المُغلقة لبيت الشعب. فكان أبرز ما قاله حداد أو “يهوذا الخائن” كما تم تصويره: “لم أطلب من الرئيس ميشال عون أن يُبعد جبران باسيل من التيار الوطني الحر بل من سدة الحكم”!
وتبيّن أن رئيس الجمهورية صاحب مقولة: “يستطيع العالم ان يسحقني، ولكن لن يأخذ توقيعي” أي لا يوقع على أي شيء ما لم يقتنع به بشكل قاطع، قد وقّع فعلاً مرّتين وتراجع بعدها عن توقيعه صعب المنال فقط “كرمى لعيون الصهر”. فيقول حداد إنه في المرة الأولى وقّع الرئيس عون على قرار سيادي على مستوى مرسوم جمهوري، يتعلق بملف ترسيم الحدود وحق لبنان بتوسيع مساحته وحدوده البحرية، ومن ثم أُعطي الملف لأنطوان شقير مدير عام القصر كي يُطرح في الجلسة من خارج الجدول وتوقف بسبب عدم موافقة باسيل. وتكرر الأمر في المرة الثانية بعد توقيعه على كتاب رسمي موجّه إلى الأمم المتحدة يذكر الخط والإحداثيات المهمة في ملف ترسيم الحدود… وفي المرّتين، بحسب حداد، تدخل “الآمر الناهي” ليعرقل الملف ويُقنع الرئيس بالعودة عن توقيعه المقدس!
بدا من كلام حداد أن كل شيء يمر عبر “سكانر” رئيس الظل في بيت الشعب، إلا أن بحسب حداد: “باسيل لا يمتلك الإمكانيات والمهارات التي تسمح له بالعمل مع من لا يوافقه على كل آرائه، بل ويخدمه ويتقبل أن يُعامل بفوقية منه”. كما اشار الى أن “باسيل غير قادر على العمل مع أشخاص لا يقولون له “حاضر سيدي”. ويتابع: “لقد قلت له (لباسيل) بوضوح، انا معك ولكن كلمة واحدة خارج حدود الإحترام سأترك العمل معك”.
التعاطي على طريقة “طنّشلو” مهما تبدو طبيعية للبعض، فهي صلب المشكلة أو “السوسة” التي نخرت جذع كل ما عمل من أجله لسنوات طوني حداد، أنطون حرب، السي مفرّج، زياد عبس، ميشال حداد، رمزي كنج، أنطوان مخيبر، مارلين بطيش، جورج طاشيجيان، طانيوس حبيقة، ايلي بيطار، لينا غريّب، فادي الجميّل، فادي جلوان، باتريك رزق الله وغيرهم من المناضلين الذين انشقوا عن “الوطني الحر” بصيغته الهجينة الجديدة والتي عبر عنها حداد حين قال: “الوطني الحر اليوم لم يعد كما كان في السابق فهو في الأساس كان تياراً مع الثورة وضدّ الإقطاعية والظلم، ثرنا ضد الفساد، وللحرية والسيادة والاستقلال، كنا ضد الوراثة السياسية. فيأتي من لا يعرفني اليوم من الجيش الالكتروني ولا يعرف تاريخي ولا تضحياتي وبعمر اولادي او اكبر بقليل ليتهمني بالخيانة!”.
حداد الذي وقع على عاتقه ترتيب وإعادة تشكيل صورة “العهد القوي” التي اهتزت كثيراً بفعل تصرّفات رئيس “الوطني الحر” الذي أحرج الرئيس مراراً في أتون فوضاه، قال: “منذ بداية الثورة كنت أقول لرئيس الجمهورية إن فريقه المشكّل منذ 15 سنة فشل!”. كما ألمح حداد إلى أن ما أزعج جبران هو عدم اشراكه في ملف ترسيم الحدود فـ”ليس لجبران صفة كي أتعاطى معه، فلم أشركه في الملفات وكنت أتواصل فقط مع قائد الجيش ورئيس الحكومة، والرئيس بري عبر علي حمدان”. وأوضح انه قد تفاجأ “بما حدث وبالاتهامات ضدّي من باسيل ومن جيشه الإلكتروني ووجدت نفسي في عاصفة” هو في غنى عنها، بخاصة بعد أن وصفه باسيل بـ”يهوذا” واتهامه بالتورط بفرض العقوبات عليه، فقال حداد لباسيل: “تجرأ وسمِّ الشخص الذي كنت تقصده وقدّم الإثباتات”. مضيفاً: “فليتوقع باسيل أن أرفع دعوى ضدّه”، لأنّ ما حصل هو “تشهير بحقي وليس صحيحاً أنّه تمّ طردي من القصر الجمهوري”. وأضاف حداد: “تحدّثت مع الرئيس عون مسبقاً وقلت له إنّ هناك عقوبات وحاولت الدفاع عن باسيل، لكنّ الأميركيين كانوا يقولون عنه إنّه كاذب وفاسد وموضوع العقوبات علمت به منذ نحو ستة أشهر”. كما أكد انه لم يطلب يوماً من باسيل فكّ علاقته مع “حزب الله”.