أسبوعان لولادة الحكومة وإلا طار مؤتمر الدعم في باريس
يزداد الملف الحكومي تعقيداً ولا شيء يوحي بإمكانية حصول تقدم على هذا الصعيد، في ظل إصرار «حزب الله» على تلبية شروط رئيس تكتل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل بعد العقوبات الأميركية التي استهدفته، الأمر الذي يطرح تساؤلات عديدة عن مصير المبادرة الفرنسية التي تعامل معها المسؤولون اللبنانيون باستخفاف، وسط ترقب لموقف باريس من الاستمرار في مبادرتها، أو العمل على سحبها من التداول نتيجة سوء أداء القيادات اللبنانية التي فوتت على البلد فرصة ذهبية لتشكيل حكومة قادرة على إنقاذ الوضع من المخاطر التي تتهدده على المستويات الاقتصادية والمالية. والسؤال الذي يُطرح، لماذا يبقى الفرنسيون متمسكين بمبادرتهم، طالما أن اللبنانيين لم يتعاملوا معها كما يفترض لإخراج بلدهم من مأزقه؟
تجيب عن هذا السؤال أوساط سياسية، بالتأكيد أن فرنسا دولة صديقة للبنان، ولديها من المعلومات عن المخاطر التي سيواجهها البلد، وقد صرحت عن ذلك علناً بأنه إذا لم تتشكل حكومة وتعمل على القيام بالإصلاحات، فإن لبنان سوف ينزلق إلى أتون أسود. ولذا فإن باريس حريصة على ألا يذهب لبنان إلى مهالك يجب على اللبنانيين تجنبها، مشددة على أن الفرنسيين لا يمكن أن يتجاهلوا الجوانب التاريخية والعاطفية في العلاقات مع لبنان، وبالتالي فإن فرنسا وانطلاقًا من حرصها على مصالحها في المنطقة، فإنها تعتبر لبنان مساحة لكي يكون لها دور في الشرق الأوسط، على غرار الدور الروسي في سوريا، وهذا ما يجعلها تتمسك بالعلاقة الخاصة مع لبنان ونجاح دورها في هذا البلد. وإن كانت حذرت وما زالت من أنه إذا لم يسر اللبنانيون في هذا الاتجاه، فإنهم سيتحملون مسؤولية أفعالهم. بدليل أن باريس أعطت مهلة أسبوعين لتشكيل الحكومة. وإلا فإن مؤتمر الدعم المقرر هذا الشهر سيتم إلغاؤه، مستبعدة لجوء الجانب الفرنسي إلى فرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين، وإنما كان واضحاً في التحذير من فقد لبنان فرصة تاريخية إذا لم يتعامل بإيجابية مع المبادرة الفرنسية.
اتصالات بين «القوات» و«المستقبل» وحرص على التهدئة
وتشير الأوساط، إلى أن الجانب المصلحي لدى المكونات السياسية في لبنان المتعلق بالنفوذ، يتجاوز أي اعتبار آخر، باعتبار أن الطرف المتعلق بالعهد يضع في مقدم أولوياته ما يتعلق بحجمه ودوره ونفوذه في الحكومة العتيدة، انطلاقاً من اعتقاد لديه أن هذه الحكومة قد تكون الأخيرة في هذا العهد، ولذلك يعمل من أجل أن يكون له الثلث المعطل في هذه المرحلة. ولذلك يسعى للإمساك بقرار هذه الحكومة، إضافة إلى أن «حزب الله» يعتبر أن المنطقة تمر بظروف دقيقة للغاية، تستوجب عدم التساهل في الشأن الحكومي، وهذا ما دفعه إلى التشدد أكثر بعد استهدافه وحليفه النائب جبران باسيل بالعقوبات، وتوفير الدعم اللازم لرئيس التيار «العوني في مطالبه الحكومية الجديدة، الأمر الذي أدى إلى مزيد من التعقيد على مستوى التشكيل.
وتعرب عن اعتقادها أنه لغاية هذه اللحظة ليس هناك أي مؤشر بأن هناك حلحلة حكومية قريبة، لا بل يمكن القول أن الملف الحكومي غائب كلياً، وحتى أن آخر لقاء بين الرئيسين عون والحريري لم يُفضِ إلى أي نتيجة عملية، بحيث أن الخلافات تدور حول الأمور الأساسية المتعلقة بحجم التشكيلة والحقائب، وتحديداً موضوع الطاقة والثلث المعطل والمداورة، ولغاية اليوم لازال تكتل «لبنان القوي» يؤكد على التمسك بمعايير محددة لتشكيل الحكومة، ما يؤشر بوضوح إلى أن لا تقدم فعلياً حصل على صعيد التأليف، مشيرة إلى أن الرئيس المكلف ليس في وارد الاعتذار، وهو في حال قرر تقديم تشكيلة حكومية لرئيس الجمهورية، فلأنه يريد القول للبنانيين بأنه يريد هذا النوع، مع حرصه على عدم حرق الأسماء التي يحرص على توزيرها. ولذلك لا زال الرئيس الحريري يعمل على تدوير الزوايا لمحاولة الوصول مع الرئيس عون لمساحة مشتركة.
وبالتزامن مع المحاولات الجارية لتشكيل حكومة جديدة، لفت تهديد الثوار بالعودة إلى الشارع للتأكيد على أن الثورة لم تمت، في وقت دعا رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى استعادة روحية المقاومة السلمية من أجل مد الناس بذخائر إيمانية، ورفع معنوياتها في ظل هذا الواقع الأسود، حيث تؤكد الأوساط أن «القوات» في مرحلة تفكير في هذه المرحلة بشأن الخيارات التي يمكن أن تتخذها، مع العلم أنه لم يتم اتخاذ أي قرار بالنزول إلى الشارع، وإن كانت «القوات» حريصة على مصلحة اللبنانيين، ولا يمكنها أن تبقى ساكتة أمام تجاهل المسؤولين للأزمة المعيشية والضائقة الاقتصادية، وهذا يدفع للتفكير بخيارات أخرى من أجل دفع الأمور قدماً لإنقاذ البلد من الانهيار .
ورداً عن الحديث حول عودة التنسيق بين قوى الرابع عشر من آذار، تكشف الأوساط، عن تطور الاتصالات بين «القوات» وتيار «المستقبل»، في ظل حرص متبادل على التهدئة، والابتعاد عن السجالات الإعلامية بين الطرفين، مع احتفاظ كل منهما بوجهة نظره الخاصة من الملف الحكومي. وإذ نفت عقد لقاء بين رئيس «القوات» سمير جعجع وبين الرئيس الحريري، فإنها لم تستبعد حصول ذلك في المرحلة المقبلة، إذا سارت الأمور وفق ما مرسوم لها.