يبدو أن فريق رئيس الجمهورية لم يعد يعمل لإنقاذ العهد من العثرات والانهيارات التي تُحاصره من كل الجهات، بقدر ما أصبح اهتمامه الأساسي هو إسقاط سقف الدولة فوق رؤوس الجميع، على قاعدة شمشون المعروفة: عليَّ وعلى أعدائي يا رب!
بعد فرض العقوبات الأميركية على صهر العهد ليس مثل ما قبله، بالنسبة للفريق الرئاسي، وخاصة بالنسبة للتيار الوطني ورئيسه، ومجموعة المستشارين في قصر بعبدا.
من المحزن فعلاً، أن يعتبر هذا الفريق أن «الواقعة» قد وقعت عند إعلان العقوبات على باسيل، وما جرّته، وما ستجره، من تداعيات مدمرة على وضعه السياسي القريب والبعيد، وفي مقدمتها القضاء على الحلم المستحيل أصلاً، بخلافة عمه في رئاسة الجمهورية!
فكان أن انتقل هذا الفريق من العمل في الغرفة السوداء، إلى المواجهة العلنية مع كل الأطراف السياسية، بما فيها الحليف الأساسي حزب الله، ولو بطريقة غير مباشرة، عبر الرئيس نبيه بري وبعض رموز حركة أمل.
الإشكالية الأساسية في هذا التطوّر السلبي لأداء فريق العهد تكمن في محاولة زجّ القضاء في المواجهة السياسية المفتوحة مع خصوم العهد، المستترين منهم والمعلنين، رغم الأذى الذي سيصيب القضاء، الذي يتعرض أساساً لحملات تُشكك بمصداقية واستقلالية بعض عناصره، والذي يُحاول مجلس القضاء الحالي، ورئيسه وليد عبود أن يُنقذوا سمعة القضاء وهيبته في عملية غربلة بدأت تظهر نتائجها في أكثر من موقع.
لقد كشفت تطورات الأسبوع الماضي، من اللقاء الأخير والفاشل بين الرئيسين عون والحريري، إلى الادعاء المفاجئ على رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب، ونائبي حركة أمل، علي حسن خليل وغازي زعيتر، عدة مؤشرات على التغيير الجذري الذي طرأ على توجهات فريق العهد، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
١- إن تشكيل الحكومة العتيدة ليس أولوية في روزنامة العهد، لأن تقديم لائحة رئيس الجمهورية إلى الرئيس المكلف، رغم ما تشكله من خروج على النص الدستوري، فقد أعادت الأمور إلى نقطة الصفر، وألغت نتائج المشاورات التي جرت بين الرئيسين على مدى أكثر من ستة أسابيع. وهذا يعني أن الملف الحكومي وُضع في الثلاجة الرئاسية إلى أجل غير مسمى.
٢- تجاهل الفريق الرئاسي مخاطر التداعيات السلبية لتأخير الولادة الحكومية، التي أصبحت مطلباً شبه يومي للدول المانحة والمؤسسات الدولية المهتمة بمساعدة البلد المنكوب للخروج من دوامة الانهيارات الراهنة. مما يعني استمرار سياسة العناد الانتحارية والتي أوصلت البلد إلى الإفلاس، وأوقعته في عزلة خانقة عربية ودولية، فيما هو بأمس الحاجة لمد يد العون من الأشقاء والأصدقاء.
٣- اندفاع الفريق عينه إلى استهداف طرفين سياسيين، على خلفية طائفية معينة، بهدف شد العصب الطائفي حوله، بعدما شعر بعزلته السياسية الداخلية، بحيث ظهرت الادعاءات القضائية وكأنها تنال من موقع رئاسة الحكومة ورمزيته بالنسبة للطائفة السنية، وطالت موقع رئاسة مجلس النواب، بطريقة غير مباشرة، ورمزيته بالنسبة للطائفة الشيعية، وكرّست الهوّة الكبيرة التي تُباعد بين الرئاسة الأولى والرئاستين الثانية و الثالثة.
وساهم حزب الكتائب، ربما من حيث لا يدري، في تكريس صورة هذا الانقسام الطائفي البشع، من خلال الإسراع في إعلانه تأييد هذه الادعاءات.
٤- يتوقع كثيرون أن تؤدي هذه المواجهة إلى تزايد تعقيدات الوضع الداخلي، وتفاقم الانهيارات الاقتصادية والمالية، في ظل غياب المعالجات الناجعة، وعرقلة تأليف الحكومة الجديدة، وبالتالي إرجاء أي بحث في الإصلاحات التي تطالب بها الدول المانحة قبل تقديم المساعدات المالية الفورية اللازمة لوقف الانحدار الاجتماعي والمعيشي الحالي، وعدم خروجه عن السيطرة، وانزلاق لبنان إلى حالة من الفوضى الأمنية والاجتماعية هي الأخطر في تاريخه الاستقلالي.
٥- ترافقت هذه التطورات المتسارعة مع الحملة المبرمجة على مختلف الأطراف السياسية تحت عنوان فتح ملفات الفساد، للإيحاء بأن تهم الفساد التي استُهدف بها رئيس التيار الوطني لا تقتصر عليه وحده، بقدر ما هي ظاهرة عامة تورطت فيها مختلف الأطراف السياسية.
وكان لافتاً أن القضاء لم يُحرّك ساكناً تجاه ما ورد في هذه الملفات، ولم يتقدم أحد، بما فيها نقابة المحامين، من القضاء واعتبار تلك المعلومات بمنزلة إخبارات يجب التحقّق من صحتها، وإجراء المقتضى القضائي بشأنها.
في ظل هذه الأجواء الملبّدة بكثافة الانقسامات في السلطة، واستفحال الخلافات بين الأطراف السياسية، ماذا يمكن أن تُنتج زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون الثالثة بعد أسبوع، بل ما هي الآمال التي يُمكن أن يعلقها اللبنانيون الغلابى على العام الجديد؟
ومن يوقف شمشون عند حدّه قبل أن يهدم هيكل الوطن على رؤوس الجميع؟