لم تعد المبادرة الفرنسية تتسع لطموحات جبران باسيل فأسقطها من حسابه على رغم أنه أتى على ذكرها أمس، من باب اتهام فريق رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري والقوى التي حالفت الحريرية السياسية منذ التسعينات، بأنها لا تريد الإصلاحات التي تضمنتها. هذا مع أن خريطة الطريق التي وضعها الرئيس إيمانويل ماكرون ظهرت في الـ2020، وفيها إصلاحات سبق للحريرية السياسية أن طرحتها منذ باريس -1 وتحديداً منذ العام 2002، إضافة إلى ما استجد من مشاكل كبرى تتطلب المعالجة بعد انفجار 4 آب.
يتهم باسيل خصومه بتكبير الحجر، ليحمله هو وينوء تحته، مطالباً بتغيير النظام السياسي، وبرفض رئاسة الحريري للحكومة ودفعه للاعتذار، متحدياً بذلك قوى رئيسة تصر على بقاء رئيس تيار “المستقبل” رئيساً للحكومة، في وقت قامت مبادرة ماكرون على وضع العناوين الخلافية الكبرى المتعلقة بالتغيير والسلاح والخيارات الإقليمية والانتخابات جانباً، للتركيز على الإصلاحات العاجلة بهدف إنقاذ البلد من الانهيار.
اقتضى الأسلوب الديماغوجي في اختراع الحجج لتأخير الحكومة تحديد أهداف كبرى لها، من نوع التعامل مع “التطبيع (مع إسرائيل) وترسيم الحدود واللاجئين والنازحين”… إضافة إلى الانتخابات، من أجل القفز إلى الاستنتاج بأنها “لم تعد فقط حكومة مهمة” وللادعاء بأنه لا يمكنه أن يأتمن الحريري على الإصلاح. بذلك، ألغى باسيل مبادرة ماكرون برمتها مهما عاب على الآخرين بخرقها. لم يخرج رئيس “التيار الوطني الحر” من عقدة استهدافه بالعقوبات الأميركية وفق قانون ماغنتسكي الأميركي، فيكرر الدفاع عن نفسه بطريقة دونكيشوتية آملاً من الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، و”ناصحاً” إياه، باعتماد “التحاور”، لكن هذه العقدة تقوده أيضاً إلى تجديد تقديم أوراق اعتماده لـ”حزب الله” فيبرئه من التسبب بالأزمة الاقتصادية، وللنظام السوري بافتعال رؤية بلدية للمصالحة الخليجية.
هل سيعوض هجومه على الحريري باسم الدفاع عن صلاحيات رئيس الجمهورية ومخاطبة العصب المسيحي باسم حق الأخير في تسمية وزراء الطائفة، ما خسره تياره من صدقية في الوسط المسيحي، مثلما خسرت أحزاب وزعامات أخرى مسيحية وإسلامية في بيئتها؟
المؤكد أن جموح فريق الرئاسة وإصراره على “تهشيل” الحريري من الرئاسة الثالثة بإعاقة تأليف الحكومة، والتوهم بأن تغطيته إمعانه في المحاصصة بحقوق المسيحيين لم ينطل على البطريرك الكاردينال بشارة الراعي، الذي اضطر في عظته أمس إلى الارتفاع درجة جديدة في التوضيح بقوله: “ما قيمة حكومة اختصاصيين إذا تم القضاء على استقلاليتها وقدراتها، باختيار وزراء حزبيين وليسوا على مستوى المسؤولية؟ ومع أن هذا الكلام وفق الأوساط المنخرطة في عملية التأليف ينطبق على أسماء طرحها عون والحريري على السواء، فإن مجرد أن يكون قصد رئيس الجمهورية الذي أصر على بعض الأسماء بناء لطلب باسيل، يدل إلى أن الحجج التي يطرحها الأخير حول دفاع الرئيس عن حقوق المسيحيين ليست مقنعة للراعي. فرأس الكنيسة المارونية رأى أن “من المعيب الاختلاف على اسم وحقيبة وعلى نسبة الحصص ولعبة الأثلاث واضافة الاعداد، فيما تكاد الدولة تسقط نهائياً”، بما يؤشر إلى امتعاضه من العودة إلى مطلب الثلث المعطل، وإلى طرح حكومة من 20 أو 22 وزيراً.
فضلاً عن عقم المزايدة على البطريرك حول حقوق الطائفة، فإن الهجوم على الحريري يثبت تمسك القيادات السنية به أكثر.